حدثَ في الجامعةِ
وطن من رائحة الطابون
في مدينة بعيدة، حيث لا يُسمع صوتُ مؤذن الحرم المكيّ إلا عبر الأقمار الصناعية!
في مدينة جُدّة* الميناء الرسمي لحجّاج البحر الأحمر ، ولكل من يمم قلبه شطر الكعبة ،وفي الجامعة بالذات ،في المبنى الخامس المخصص لكلية الآداب غرفة 508 وفي تمام التاسعة صباحًا،وقفتْ "ميّ " خلف طاولة رفيعة كما لو كانت معدَّة لمايسترو مجهول، وقد فرشت أوراقًاً كثيرةً أمامها،
طبعًا هذه الأوراق ليست نوتةً موسيقية ، لكنها لم تخلُ من الموسيقى بشكلٍ أو بآخر!
وعلى السبورة البيضاء التي تشكل خلفية المشهد أُلصقت صور بأحجام مختلفة : لحنظلة / لناجي العلي ، لغسان كنفاني،لمحمود درويش ،وللمدهش مهند صلاحات!
جيش كامل من الإبداع الفلسطيني الخالد رغم أنف صهيون!
كانت "ميّ " تخصّ نفسها بالكلام : (هؤلاء أعضاء فرقتي،سأدخل للحدود الفلسطينية هذا الصباح،ولن يطلب أحد مني إبراز جواز سفري)!
..
..
..
سنعزف أوركسترا الخلود،ونُشّرع نوافذنا على وطن من زهور البرتقال ، ورائحة الخبز الطازج حيث طابون** أمْ مهند صلاحات الذي يعيش (وابتسمتْ) في قُنِ الدَّجاجات المتمردات (هكذا قالت مي ّ لزميلاتها الطالبات بقسم اللُّغة العربية،في محاضرة فلسطينية صرفة... بينما كانت تحكم عقد الكوفية حول عنقها دفعًا للبرد ، وجلبًا لفلسطين)!
..
..
..
كان مهند صلاحات كرنفالاً مدهشًا في تنوعه الأخاذ من القصة إلى القصيدة إلى مقالات عن حقوق المرأة،ورسائل عجيبة إلى ملكة النحل!
تنهدت ميّ : (أخيرًا مهند صلاحات هنا)!!
بعد أن طاردته ليالٍ طويلة في أكواب الشاي وفناجين القهوة وعلى شبكة الانترنت!
..
..
..
قالت له مرةً: كُن أستاذي؟
فقال: لنكن تلميذين!
كانت تعرف أنّ برتقال فلسطين يجري في عروقه، هؤلاء المناضلون الرائعون ليسوا أساتذةً لأحد..
إنهم أنبياء!
قالت: كُن نبيًّا إذن!
قال: موافق على أن تكون فلسطين رسالتي !
قالت: أنا أوَّل المؤمنين ، كما فعلتْ خديجة ***!
هكذا صارت ميّ اثنا عشر حوارية،وكل الأسباط دفعةً واحدة!
ميّ شعبٌ نسائيٌ قانت!
معلمة لا تعلم في فصولها إلا قراءة القرآن، والشعر الفلسطيني فقط!
.
.
.
هل أخبرتكم أنّ التلميذة الخائبة ميّ حصلت على العلامة النهائية بعد أن ألقت دكتورة الأدب
تحية للصمود الفلسطيني وللإبداع اليعربي ولأم مهند صلاحات ، بينما مازجت دموعها دموع الطالبات!
..
..
..
هل تسمعون صوت موسيقى؟
أنا أسمع!
19شوال
هوامش ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*جُدّة هكذا تلفظ بضم الجيم وليس بالكسرة كما نفعل!
شرحها حمد الجاسر ،وعبد القدوس الأنصاري رحمهما الله.
** الطابون: في اللهجة الفلسطينية هو فرن صغير يدوي الصنع، يُصنع من الطين، يكون في داخل الأرض ويتم إدخال العجين له من فوق، وله أيضاً غطاء مصنوع من الطين ، ويوضع فوقه وحوله النار ليصنع الخبز على الطريقة الفلسطينية أيضاً.
*** خديجة: إنْ شئت جعلتها أم المؤمنين
أو فجعلها قصيدة الشاعر السعودي الكبير: محمد جبر الحربي الخالدة حيث جاء فيها:
..
..
..
جاءت فتاة الليل من صبح الهواء فأسفرتْ
دخلت على الأطفال موالا ً، ومالت للحديث فأزهرتْ
قرأت كتاب الله وانتثرت على الكلمات دفئا ً أسمرا
قمراً على وجع القمرْ.
دمعتْ . . . مشتْ
مشت الدروب على خطاها واكتفتْ
بالصمت حين تحدثتْ :
اللوح أسود
فاستروا عري البلاد وسوأة المدن اللقيطة
واحتموا بوجوهكم
وتبينوا أن جاءكم نبأُ
..
..
.. ا هـ
___________________________
بقلم : مي خالد
كاتبة سعودية
نقلا عن مجلة أقلام الثقافية
http://aklaam.net/aqlam/show.php?id=1206