2\4
" بيت أّلـ لاقي عندهم ضيف " هكذا قُلن النساء .. ماهذا الفخر ضيف من قبيله شماليه بعيده لم نعلم بوجُودِها الا حين أستنجد ذالك الشيخ الكبير والدي فبعث خيرة مُحاربيه لهذا الأستدعاء العظيم .. لماذا والدي يذهب إلا أقصى الشمال ليلقى ذالك الكهل سيموتُ قبل أن يقربهُ أبي ..!! (لا تذهب أرجوك " ألم تسمعي الرجل طلبني كيف أرده يامرأه " أبي لمن تتركني وتترك الارض سيفترشها الأتراك ولن أملك منعهم" بل ستفعلين سأترك لك البندقيه والجنبيه في حال أقتربوا أعداء الله من أرضي " أبتاه ... " سأذهب غداً أستودعتُكِ عند عمك " مسفر " دخيلك يا أبي ليس ذالك الخرف " أنهُ رجل كفؤ أنتهى الكلام " )
هُنا بدءة قصتي ، انا بنت الخامسه عشر ربما أو نيف أُترك أمانه في ذمة الشيطان ، أنا وورث الأرض تُغطيها دموع الحسرات .. عسيريه معجونه بزبده جمال لا يُضاهينهُ تلك الباشاوات المُتكشفات .. جمال تحتاج أن تصل حدود الشمس لتراه .. عيون مُلونه كحلتها أنامل العجائزِ بعد إكتمال الأسبوع الأول ووشم تحت الشفاه يحتاج لقصائد لوصفه وشعر يلمع بلمعِ الحناء .. يٌحلي نسائها نقوش الفضه الثقيله دون تململ ويلبسن ألوان الحياه الزاهيه .. لا يُخفين جمالهن وشعورهن الحمراء المليئه برائحة الحنا والكاذي.
فجر مر كحُلم لا أذكر منه إلا رحيله .. كيف أصف لهُ وخزات قلبي حين تركني .. كيف أفسر لهُ تلك الوساوس " لن يعود .. لن يعود " أعوذ بالله من الشيطان " لن يعود " . وداعهُ بارد على أبواب قريه ترفعها السماء فيرتفع أهلها عن كل دنس .. لف حولي بندقه تحًسباُ لهجوم الترك .. همس ( أستودعتُ بكِ الله الذي لاتضيع ودائعه .. أنتي بنت ذياب لن تخذُلي أباكِ .. ) أنت من خذلتني رحلت مع البدوي .. ركب حصانه وسابق الريح .. كأنه لا يُريدني أن أشبع منه للمره الأخيره ، ذهب ..! تركني عند شايب متزوج من عاقر أبليس وحرُمُهُ .. كيف أصف هذه الليله كُنت أجلس على عتبة الباب أنظر من بعيد وأنشد دعائي .. أُغنيه عل الله يتقبلهُ مني بقبولٍ حسن ويُلبٍسُهُ لباساً حسناً..
يالله ياغفار سهل لنا كل الصعاب .. فكنا من كربةٍ مظلمٍ سردابها
مالنا غيرك ملاذٍ ولا دونك حجاب .. يرتجيك الخلق عدوانها وأحبابها
حي ياقيوم باسئلك بأم الكتاب ..حاجةٍ في كامن القلب وأنت أدرى بها
مع رحيل أبي بدء نوع أخر من المُعاناه لا تشبه كسرة موت أمي، وليست كتلك المفاجئه حين لم تُثمر الأرض قبل عام فعشنا مُعناة الفقر موسم كامل ولا تُشبه مُعاناتي مع المرض رمضان الماضي .. كانت مُعانات الذُل حين لم يحفظ أبليس أمانته .. كُنت أفيق كل فجر على ركلتهُ أو رفسه ليطير بعدها نومي الهادئ المُنهك. أفيق لأفرك له ولها فٌطورهما الذي لا أذوقه .. ثم أتوجه للأرض وأزرع وأحرث وأصرم أرضهم هم .. وأحلب الأبقار وأرج القرب لتفيض الزبده من جنباتها لهما أيضاَ وأنا أدعوا أن يعود لي عزتي وسندي. هي تقضي يومها في النميمه وتحاول إصلاح ما افسد الدهر وهو يذهب للتحطب ألا يخجل أن يزاحم النساء ! ينتهي يومي بسلسله من الشتائم والتنفلات المُتناثره ..
اليوم السابع بعد تسعة أشهر من رحيله ،هل الشمال بعيده لهذا الحد ..؟ تقول "عيده" التي ذهبت للحج العام الماضي ( أن الرحله إلى الشمال تأخذ سنه كامله بلا توقف لأن قبل الوصول للشمال بحر عظيم لا تُبحر سُفنهُ إلا نهاراً لأن الجن تسبح فالليل فإن تحركت السُفن ستبتلعها ) .. اللهم أكفيه شر الجن والأنس والذئاب.
كُل الأفكار تجتمع وتتحررك الصور في مُخلتي كومضات نور سريعه حينَما أُسند رأسي على وسادتي البارده من القش الخشن كم كانت حياتي جميله وهادئه وأحلامي صغره وساذجه .. لماذا هذا الهم العظيم ..؟ هل هو ذنب يعاقبني عليه الله تعالىّ ..؟ أين أذهب ..؟ أين أهرب وأختفي ..؟ لا تزال سيرة "سعديه" على كل لسان تلك اليتيمه الأرمل التي سكنت بيت شيخ القريه " معضد " بعد ما ترملت فتهمها الرجال بشرفها .. تسمعهم يتهامسن والأطفال يلحقونها بسُخريه .. فـ إخترقت صف الرجال في صلاة العصر لتُثبت خلو رحمها بقطعة قماش تحمل دم أحشائها .. و" هيليه" تلك الجميله حين عصت أهلها فحبسوها بأمر الشيخ حتى تفجرت كل عروق الشجاعه فهربت إلى البئر رأيتها وأرتعدت خائفه ماذا تفعل الكُل يعلم أنها مسجونه..؟ وأذا رؤها الرجال سيقتلونها بطلقه بارده ..! أقتربت مني وضمتني بكل حنان الأرض تركتني بقوه وذهبت لمثواها الأخير .. سمعت خبطة جسدها بماء البئر .. المسافه بين القفزه والصوت كانها دهر .. وقعت بعدها مغشية والنسوه حولي يقرأن الايات ويتهمون الجن بتلبُسي ..!
بعد صلاة الفجر عند مسجد القريه رجل بدوي غريب ينعى خبر وفاة والدي .. تلاهٌ أزدحام غير مسبوق وصوت نياح الجلبليات التي تهز أشجار التين .. " توفى شيبة الـ لاقي وترك وراه بنته المشؤومه الملبوسه بجني أسود وأرضه " لم تهمهم البنت ولا شؤمها ولا الجني بل الأرض .. هُنا معضلة مجتمع القريه كيف ترث بنت أرض من أراضي القريه المقدسه ..! الحل دائما تتزوج رجل من القريه ليحضى بشرف الأرض ..
كان أختيار الشيخ على " هاشم " رجل سبعيني مُتزوج ثلاث نساء يملك مال كثير وخير وفير كل القريه تصبح على صُراخ "عائشه" أو "فتحيه ". أمُهُ تقول أنهُ يضربهن ليصرُخن حتى يتباهى بفُحولته الكاذبه بعد أن سقطة صخره على حجره ففقد رجولته ، أما الأولى " نعيمه " فلا صوت لها ولا عين عمياء خرساء وربما مجنونه بعد أن ولدت طفلها في شهره السابع وعانت من صخونة النفاس فكواها المطوع حتى فقدت عقلها وسائت حالتها بعد موت مولودها ..
ها أنا أذن زوجة ثلاث نساء، أم ، وكهل ، كان زواجي رابع أيام عزاء أبي أذ لا أملك الحداد أكثر من ذالك .. لقتراب الحصاد وإثمار الطمع هذا الموسم .. زفوني من بيت " مسفر " إلى بنت " هاشم " وأنا أبكي بصمت والنساء يُصبرنني على مُصابي يُعزونني تاره ويُهنونني تاره .. فالقريه المرأه هي الأقوى والأعنف ، لكنها لا تحمل قوتها بذاتها بل برجُل يسنُدُها وإلا أصبحت مثل " سعديه و عيده وانا " لو كان أبي معي لما تجرء هذا الكهل بالنظر إلى وجهي ..ماهذا العُهر في قرية الملائكه .. بأي ذنبٍ قُتلت ..؟ ماهذه الثقوب فالأخلاق يرقعها الكلمات البراقه
"حفظ النسب حماية القوارير " وهم يتحاذفونني كسلعه .. كجاريه بأسم زوجه بيعت في سوق الرقْ ..؟
الدم الهائج يُحرق عُروقي ، وغبار يخنقني فأجر الهواء لصدري بعُنف ، وملح عيناي يُغرقُها ، وضميري ينوح حالي ، ولم يبقى من أرواحي السبعه الا نصف روح تسكُن غار جسدي .. في رابع يوم من موت أعظم رجال القريه تُغطى كفوفي بالخضاب ..!
وصلنا داره .. وصوت الغطاريف والقصائد تكتب الحُب والحنين ويستقبلُها سمعي بالسكين .. أبي تركت لي بندقيه أخترق بها رأس الأتراك ولم تترك لي خنجر مسموم أطعن به من يُدنس عرضك من أبناء جلدتك .. يقف " هاشم " ويُلقي علي قصيدة أستقبالي بداره
هلا بالصدفه اللي كنها من نورها شمسي
عدد ما هلت امطار وتهاوت مــن سحايبها
يمين الوقت جادت والبخت في منزلي ممسي
اثــــر بعض الصدف تجري ولا يمديني احسبها
أدخلنني النساء الثلاث مخدعي .. وغطينني بالياسمين والكاذي وزرعن الرياحين بصدري .. كانت " شريفه " قد أعدت جسدي لأستقبال أعياد النشوه .. أيُ نشوه .. نشوة الدموع .. أم نشوة الرعشات ..؟ إين أنتِ أماه لتُهديني أخر فصول التربيه .. في موضوع نتجاهلهُ ونعصرهُ على مسامع عروس ترتجف بليله وحشيه ..؟ أين أنت أبتاه لتُودعُني بدعاء وكفوف تمسح جبيني البارد هلعاً.. ؟
كان الزواج فاخر يليق بأثرياء القريه .. وزّع اللحم والتين والخوخ على بيوت القريه .. كُن النساء يلعبن ويُدوزن الكذب على قوافي الألم .. فيُرُد شاعر الرجال بنفاق عاهر لينثر الجميع مافي جيوبهم له .. الكل مُبتهج .. قريه كامله باعتني بدّيه زهيده .. ونصل سكينهم تفتق روحي .. !
" هاشم " ذاك الثور الضال أنقض علي فلم أملك الا أن اخلع الباب وأنفر أركض وأركض وسط الظلام وأقدامي الحافيه تنثر خلفي قطرات الدم أمشي وأمسح أثار أقدامي فلا شئ أعودُ له ..! لا أعرف اين وصلت وكيف أنقطعت بي السُبل في جبال الجنوب ، لم أقف حتى بزغ النور وأنا أصرخ وأستنجد بالجبال الخرساء واشجار السدر المُتناثره ، وأغني ألمي وتعبي أهزوجه عل مارد من الجن يسمعُها فيملك حميه تفوق حمية بني جلدتي ..!
يتبع ..