بسم الله الرحمن الرحيم
يقول أبو الفتح البستي
زيادة المرء في دنياه نقصان***وربحه غير محض خسران
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم***فطالما أستعبد الإنسان إحسان
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته***أتطلب الربح مما فيه خسران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها***فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
وكن على الدهر معوانا لذي أمل***يرجو نداك فإن الحر معوان
واشدد يديك بحبل الله معتصما***فإنه الركن إن خانتك أركان
من يتق الله يحمد في عواقبه***ويكفه شر من عزّوا ومن هانوا
من استعان بغير الله في طلب***فإن ناصره عجز وخذلان
من كان للخير مناعا فليس له***على الحقيقة خلان وأخدان
من جاد بالمال جاد الناس قاطبة***إليه والمال للإنسان فتان
من سالم الناس يسلم من غوائلهم***وعاش وهو قرير العين جذلان
من يزرع الشر يحصد في عواقبه***ندامة ولحصد الزرع إبان
من استنام إلى الأشرار نام وفي***ردائه منهم صل وثعبان
كن ريّق البشر إن الحر همته***صحيفة وعليها البشر عنوان
ورافق الرفق في كل الأمور فلم***يندم رفيق ولم يذممه إنسان
ولا يغرنك حظ جرّه خرق***فالخُرق هدم ورفق المرء بنيان
أحسن إذا كان إمكان ومقدرة***فلن يدوم على الإحسان إمكان
فالرّوض يزدان بالأنوار فاغمه***والحر بالعدل والإحسان يزدان
صن حر وجهك لا تهتك غلالته***فكل حر لحر الوجه صوان
دع التكاسل في الخيرات تطلبها***فليس يسعد بالخيرات كسلان
لا ظل للمرء يعرى من نهى وتقى***وإن أظلته أوراق وأفنان
والناس أعوان من والته دولته***وهم عليه إذا عادته أعوان
سحبان من غير مال باقل حصر***وباقل في ثراء المال سحبان
لا تودع السر وشاء به مذلا***فما رعى غنما في الدو سرحان
لا تستشر غير ندب حازم يقظ***قد استوى فيه إسرار وإعلان
فللتدابير فرسان إذا ركضوا***فيها أبرّوا كما للحرب فرسان
وللأمور مواقيت مقدرة***وكل أمر له حد وميزان
فلا تكن عجلا في الأمر تطلبه***فليس يحمد قبل النضج بحران
كفى من العيش ما قد سد من عوز***ففيه للحر قنيان وغنيان
وذو القناعة راض في معيشته***وصاحب الحرص إن أثرى فغضبان
حسب الفتى عقله خلا يعاشره***إذا تحاماه إخوان وخلان
إذا نبا بكريم موطن فله***وراءه في بسيط الأرض أوطان
يا ظالما فرحا بالعز ساعده***إن كنت في سنة فالدهر يقظان
ويا أيها العالم المرضي سيرته***أبشر فأنت بغير الماء ريّان
ويا أخا الجهل لو أصبحت في لجج***فأنت ما بينا لا شك ظمآن
لا تحسبن سرورا دائما أبد***من سرّه زمن ساءته أزمان
وكلّ كسر فإن الدين يجبره***وما للكسر قناة الدين جبران