اخر عشرة مواضيع :        


العودة   منتديات جنّة الروح الأدبية > .,؛,. أدب الأرواح .,؛,. > جنّة الكتب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-03-2008, 02:41 PM   رقم المشاركة : [11]
كيّان
وستذكرون ما أقول لكم .. \
الصورة الرمزية كيّان
 

كيّان is an unknown quantity at this point
تابع 2 .. قراءتي لـ رام الله البرغوثي

بين يدي الكتاب ..


يختار مريد البرغوثي .. وبشكل مقصود معترفاً بذلك صراحة هذا العنوان الشيق ليثير في القارئ تساؤلاً يدفعه في النهاية لقراءة الصفحات المحشورة بين الغلاف ، وقد تحدث عن سبب اختيار هذا العنوان في موقعه الإلكتروني قائلاً :

" رأيت رام الله هو كتابة عمر كامل خارج المكان وكتابة المكان بعد القدرة على رؤيته مرة أخرى ، ولاحظى الأهمية للاسم رأيت رام الله وليس عدت الى رام الله ؛ لأن ما حدث أنه وجدت رام الله ما تزال رغم كل الحديث السياسى عن اتفاقيات وسلطة وطنية وانسحابات وسيادة ما زالت تحت الاحتلال بل فلسطين كلها تحت الاحتلال."

وللعنوان دلالة أخرى تحدثت عنها جيهان عبدالعزيز ( في الحياة والاغتراب في "رأيت رام الله" ) تقول فيها :
" يطالعني ذلك العنوان، فيثير في نفسي أفكاراً عديدة، خاصة ذلك الاختيار للكلمة المفتتح (رأيت)، كلمة تحمل في طياتها مزيجاً من مشاعر اللهفة والفرحة والشوق ، سُرعان ما تتحول إلى أسف وحزن وسخط واستنكار، مزيجا هائلا من المشاعر يعجز القلم عن تصويرها، جسدتها تلك الكلمة (رأيت)، خاصة حينما تكون تلك الكلمة (فعلا تحقق وقوعه) وحين يكون الفاعل ـ والذي رأى مرتين ـ هو (مريدُ البرغوثي) وحينما تكون تلك التي رآها هي (رام الله). "


وقد نتسائل .. لماذا قرر افتتاح سيرته الشخصية برام الله ؟


وهو سؤال وجيه خصوصا حين يناقش ربط الماضي ببقعة جغرافية محددة ، والأدهى أن تكون بعيدة عنه ثلاثين عاماً ..
أقول في ذلك ..
هو يختار رام الله ليبدأ وكأن عمره كله معركة لأجل الفوز بتلك الزيارة ، ليصل إليها ومنها يستطيع أن يلتقط أنفاسه ويسترد بعض روحه ليقص علينا حكايته .

وهي زيارة لها قدسيتها في نفس البرغوثي .. لارتباطها الوثيق بصورة " منيف " وهو يعود منكسرا منها بعد أن يأبى الاحتلال دخوله لفلسطين الوطن ، وهذا ما كان سببا – في رأي الكاتب – لأن يذبل ويموت بعدها بقيل في الغربة الموحشة .

" ها أنا أقف بقدمي على التراب .. منيف لم يصل إلى هذه النقطة . برودة تسري في عمودي الفقري . الشعور بالراحة ليس كاملاً . الشعور بالأسى ليس كاملاً " .

فمريد إذن ممتن للحظوظ التي سمحت له بالعودة ، ربما ليحقق وصية أخيه الذي أدمن ذكره في سيرته ، وكأن السيرة كلها تدور حول ثلاثة محاور : الغربة \ رام الله \ ومنيف .

منيف الذي كان حاضرا في كل خطا الكاتب ، هو وكل قوافل الموتى الذين عدهم مريد شهداء القضية وإن ماتوا وحدهم في أرصفة الغربة الباردة بلا أحباب يلقنونهم شهادة الوداع .

ألا وإن قارئ الكتاب يلاحظ بوضوح أسلوب البرغوثي الواقعي الصريح ، والذي يميل دائما إلى السخرية المرة من الوضع الفلسطيني القاسي ، خصوصا بعد الصدمة التي حدثت له حين أدرك أن كل العذابات التي ذاقها في ثلاثين عاما من الغربة والغياب لم تؤثر في رام الله .. فوحدها هي لم تكبر ولم تتطور .

وهذا ما أحزنه .. أحزنه أن تبقى كما كانت حين تركها قبل ثلاثين عاماً . فهي صدمة كبيرة .. أن يأتيها محملاً بكل أشواق الغربة الطويلة ثم يفاجأ أن لا شئ تغير على الساحة الفلسطينية ، منذ بداية الجسر الموجع حتى دير غسانة وهي تغفو تحت سدول التأخر والجهل .

و مريد كاتب ذكي ، يكتب سيرته بهدوء وسلاسة ثم يعلل كل الأفكار التي يبثها ليقنعك بها ، وهو لن يتنازل بسهولة عن أن تقبل بوحه بالشكل الذي يريده ، ولذلك فاضت سيرته بالتساؤلات التي يخاطب بها القارئ من حيث لا يدري ليضعه في مكانه كي يقتنع بلغة لا تملك أمامها سوى الموافقة .

" ما الذي يجعل فرحك يعتمد على المحاولة لا على التجلي ؟
ألأنك تعرف أن هناك شيئا غير مكتمل في المشهد كله ؟
شيئا ناقصا في الوعد ، وفي المتحقق من الوعد ؟
ألأنك مثقل ؟
ألأنك لم تألف الألفة بعد ؟ "

وإن قارئ السيرة لابد أن يتوصل إلى حقيقة أن مريد لا يصور فلسطين في سيرته رومانسية حالمة ، بل هو على النقيض تماماً واقعي جدا ، وكأنه يود صادقا أن يدفع فكرة أن هذه البقعة من الأرض مقدسة على أن تكون وطنا ، هو يحاول بكل طاقته أن يثبت إمكانية أن يعيش فيها أهلها بعيدا عن أضواء القداسة الحالمة . وهذا ما يعني أنها وطن لشعب له حق استردادها والقتال عليها .

يقول متحدثا عن القدس : "هذه القدس، هي قدس حواسنا وأجسامنا وطفولتنا، هي القدس التي نسير فيها غافلين عن قداستها، لأننا فيها، لأنها نحن" .

فهي قدس الناس والأشخاص التي تختلف تماما عن قدس العالم الذي لا يعرف من القدس سوى قبة الصخرة تحديداً "القدس الديانات، القدس السياسية، القدس الصراع هي قدس العالم" .
فالعالم لا يعني سوى ب (وضع) القدس، بالأسطورة، أما حياة الناس فيها فلا تعنيه، تلك الحياة التي أصبحت مهددة بالزوال.

وفي ذلك يقول :" أما حياتنا في القدس وقدس حياتنا ، فلا تعنيه . إن قدس السماء ستحيا دائما . أما حياتنا فيها فمهددة بالزوال " .

لكن العجيب أنه لم يذكر في أي من صفحات السيرة " وطني " ، " بلادي " أو أي شئ يشي بارتباطه الخاص بتلك البقعة ، فكثيرا ما أطلق عليها " الأرض الفلسطينية أو فلسطين " وكأنه يحاول إثبات فكرة أنها ليست قضيته وحده ، ليست مشكلته الشخصية ، يخشى لو كانت كذلك أو لو أعترف بذلك فلن يسمعه أحد .. لأنه غريب والغريب لا حرمة له . أو كما قال :" إرادتي أنا هي المعرضة دائما للانكسار".

أو ربما لأنه بعد ثلاثين عاما من الغياب قرر أن لا يرتبط بشكل حميمي بأي شئ حتى لو كان هذا الشئ وطنه .. أسرته أو حتى كتبه ، فهو يتجنب كثيرا مرارة الفقد التي خلفها رحيل منيف أخية الذي أدمن كل تفاصيله .

نلاحظ كذلك أن مريد البرغوثي يخلق لنفسه عالماً خاصا به يحميه من الخارج الذي لا يعرف عنه شيئا ، هذا العالم الذي يقيم جدرانه بالتأمل والانعزال النفسي ومحاولة كبح اندفاعاته الانفعالية في المواقف .
" وقفت أتأمل المشهد " ، و " لم يكن لدي ما أفعله سوى التأمل " ..

إذن يكفي أن يتأمل ، ويتأمل فقط ليصل إلى ما يطمأن ذاته دون الحاجة للتوغل النفسي أكثر في المشهد الذي أمامه ، وهذا يتجلى بوضوح حين يدفع عن ذاته احتمالية الانهيار والبكاء تحت أي ضغط كان .

وهو يصر على أنه لن يبكي ويكررها أكثر من مرة ، وحين يصر انسان على شئ كهذا أعلم أنه سينفجر .. سينفجر بكاء دون أن يرتاح :

" قال لي أصدقاء عبروا النهر بعد غيبة طويلة إنهم بكوا هنا . لم أبكِ . لم يصعد ذلك الخدر الخفيف من صدري إلى عيني"

و " لست جنديا منتصرا يقبل التراب . لم أقبل التراب . لم أكن حزينا لم أبكِ "

ويقول أيضا في ذلك :

" حتى في لحظة (الزيارة بعد مرور الزمن) التي تغري أعتى الواقعيين بالهيام في الغمام الرومانسي ، لم أجد دمعا أذرفه على ماضي دير غسانة ، ولا شوقا لاستعادتها على هيئة طفولتي فيها " .

وأنا لا أفهم حقا كيف يملك البرغوثي كل هذه القوة لأن يملك زمام قلبه في كل هذه المواقف الحاسمة ، حين يلج الجسر أول مرة بعد ثلاثين عاما من الغياب ، وحين يطأ تراب بلدته الصغيرة مع كل الزخم العاطفي الذي قد تتبناه لحظة كتلك .

بل إنه يحفظ نفسه من البكاء حتى في يوم وفاة " منيف " منيف الذي وصفه بأنه أجملهم وأغلاهم .. منيف الذي خلفه وحده في بقعة بعيدة جدا عن العين .. منيف الذي كان الأب والأخ والصديق ، رغم كل ذلك لم يبك يوم وفاته.

" كنت أتعامل مع المأساة تعاملاً غريباً . كأني رميت في زلزال وخرجت منه أبحث عن مصير أمي فيه . كأنني تمكنت من تنحية الخبر نفسه بعيدا عني بما يتيح لي القدرة على السيطرة على زمام الأمور .. لابد من أحد أن يسيطر على زمام الامور " .

إذن فهي مأساة تكسر كل الظهور الشامخة ، وقد تودي بقلب أمه إلى الصمت لكنه مع هذا الشخص الوحيد القادر على أن يتمالك نفسه ، حتى لو كانت هذه القوة القاهرة في يوم وفاة منيف .. وفاته وحيدا في غربة البرد بقسوة .

" لا أدري كيف تجنبت الإنهيار في تلك الدقائق ،ولأنني نجحت في تجنبه في تلك اللحظة تحديداً فإنني لم أعد معرضاً للانهيار بعدها " .

هو معترف بأن لحظة كتلك كفيلة بكسره .. وخلق حالة من الانهيار التي لا تحمد عقباها وأنه متعجب حتى اليوم من نفسه وقدرته على التماسك في ذلك اليوم الأسود .. لكن رغم كل شئ لم يبكِ ولن يفعلها أبدا .




.. للقراءة بقية


التوقيع

يا الله .. \

كم أود الآن لو ترفعني إليك راضٍ ٍ بلا سخط على تفاصيلي الصغيرة .. ،
فإني أحتاجك .. \


كيّان غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 01-03-2008, 02:46 PM   رقم المشاركة : [12]
كيّان
وستذكرون ما أقول لكم .. \
الصورة الرمزية كيّان
 

كيّان is an unknown quantity at this point
.
.

وتبدو محاولات البرغوثي في الانفصال عن مشاعره حتى في علاقاته الأسرية ..

" أنظر إلى أبوتي لتميم وأتذكر أبوة أبي لنا . لعله كان أكثر حنانا علينا ؟ أم أننا ببساطة جيل يتجنب ، عن قصد إظهار كل عاطفته أمام الآخر ، حتى أمام الابن ؟ "

و الغريب أنه فسر دون قصد ما قد يدفع أي إنسان لأن ينهج نهجه في طمس انفعالاته ، فتجده واصفا المغتربين من الفلسطينين بالقسوة معللاً ذلك بقوله :

" وعندما تستيقظ العاطفة لسبب ما ، أو حتى بلا سبب ، خذ ما تشاء من الحزن " .



.
.

رائحة غربة ..

سيرة البرغوثي ثرثرة أليمة عن كل طقوس الغربة ..
غربة المنفي الذي لا حق له في بيته .. وغربة الشاعر الذي يدرك تميزه الذي يحرمه من أن يكون اعتياديا في تفاصيل حياته .. وغربة المهاجر الذي لا يتقن الانغماس في قومه حتى بعد الإياب ..

" الغربة لا تكون واحدة إنها دائما غربات " .


ولأجل ذلك عنون أحد أبواب سيرته بـ " غربات " ، ووصف مكوثه في كل بقاع الأرض بأنه مؤقت دائما كما يبدو في " إقامة في الوقت " ..

وهي غربة موجعة .. موجعة حتى يقول :" الغربة كالموت " لأنها ستوقعه تحت مطرقة الاحتقار والتعاطف الذي يمقته. وهي حالة دائمة لا فكاك منها ، " يصاب المرء بالغربة كما يصاب بالربو . ولا علاج للاثنين . والشاعر أسوأ حالاً ، لأن الشعر بحد ذاته غربة ".

ورغم كل معاناة الغربة التي صبغت عمره يسخر منها ، سخرية تزيد كثافة الألم وسوداوية الغربة التي يصورها " أخيرا .. ها أنا أمشي بحقيبتي الصغيرة على الجسر ، الذي لا يزيد طوله عن بضعة أمتار من الخشب وثلاثين عاما من الغربة " .


وهو يصب سخطه كله على الجسر الخشبي .. يحتقره إذ يمثل لعنة الغربة ولعنة اليد التي صبت عليه عذاب الثلاثين عاما ..
" إنني لا أشكرك أيها الجسر القليل الشأن والأمتار . لست بحرا ولا محيطا حتى نلتمس في أهوالك الأعذار ... إنني لا أسامحك وأنت لا تسامحني ".

والبرغوثي حين يتحدث عن غربته يصر على وصفها بأنها أمر لا مفر منه ، وأنه لم يكن بيده أي شئ ليفعله كي يعيد لأمه عالمها الأول ، أو يلم شعث العائلة التي يخطفها الموت في كل زاوية تركن إليها .. ومع هذا يصورها كتمثيلية حمقاء كان يجب أن يؤدي دوره فيها لأنه مسلوب الإرادة .

" كيف استطاعت هذه القطعة الخشبية الداكنة أن تقصي أمة بأكملها عن أحلامها ؟ أن تمنع أجيالا بأكملها من تناول قهوتها في بيوت كانت لها ؟ كيف رمتنا إلى كل هذا الصبر وكل ذلك الموت ؟ " .

ولقد أجاد وصف كل المشاق التي كابدها باسم الغربة طوال ثلاثين عاماً بأنها كانت ثلاثين عاما من السير على القدمين .. وهي صورة كفيلة لتوصل للقارئ مدى الوجع الذي يبلعه مريد صامتا أو يحاول ذلك .. " أنا الآن في رام الله .. دخلتها ليلاً . كان الطريق إليها طويلا .. منذ 1967 وأنا أمشي " .

ويعترف مريد بأنه حاول إنكار المأساة التي يعيشها حين رفض فكرة شراء التين والزيتون بطريقة تخالف ما كان يعهده في ( دار رعد ) ، لأنها عملية مذلة مذلة رغم بساطتها ، ويبرر استسلامه الأخير بالشراء في قوله " عندما طالت الغربة واستحالت العودة إلى دير غسانة ، مارست الذل الأول البسيط الخطير عندما مددت يدي واشتريت من البقال أول كيلو من زيت الزيتون . كأنني واجهت نفسي ساعتئذ بحقيقة أن دير غسانة أصبحت بعيدة " .

وهو غريب إلى الدرجة التي لا يملك فيها أحدا يمكن أن يشاركه بعض عبق الطفولة القديم ، لأن أحدا لن يصدقه ولذا سيبني لقلبه هالة من الغموض تحفظه عن كل ما حوله .. عن كل الغرباء الذين ينادونه بأخي ، حين يدرك تماما أنهم لا يقصدونها أبدا .

والغربة عند مريد لا تعني غربة المكان الذي يعيشه فحسب ، ولا غربة القبور الذي تناثر بها أهله في قارات العالم ، لكنها غربة الروح .. الروح التي يصعب عليها الاعتياد على الأشياء لأنها تدرك أنها لابد وأن تفارقها مرغمة وبلا استئذان من القلب .

" يخطفونك من مكانك بشكل خاطف ، مباغت ، وفي لمح البصر . لكنك تعود ببطء شديد ! " .

هذه الغربة الروحية التي ستحرمه من كل شئ حتى من أبوته لتميم الذي لم يفهم كيف يمكن أن يكون الأب بعيدا كل هذا الحد فيقرر بأن يصير " عمو بابا " .. وهي بدورها ما ستمنعه من بناء صداقات وثيقة بمن حوله إلا قليلاً ..

" كأن الغريب يفضل العلاقة الهشة ويضطرب من متانتها . المشرد لا يتشبث ، يخاف أن يتشبث ".

ولربما تتجاوز مرارة الغربة – بمعونة شخصية مريد المميزة – حدها لتزيد صعوبة التأقلم التي يشكو منها كثيرا في سيرته ، حتى بعد عودته لأهله وأسرته وهذا ما بدا جليا في حديثه عن زيارته لرام الله ، والحرج الذي يصيبه جراء إقامته " المؤقتة " في بيت أحد أقاربه .. إنه يتحرج من كل هذه التفاصيل الصغيرة التي يشارك بها أهله ، رغم يقينه التام أنها لحظة خاطفة وتنقشع تحت شمس الواقع التي لا تغيب . ولأجل ذلك أيضا كان يؤكد عدم انتمائه لدار غسانة رغم محاولته الصادقة الانغماس في آخر ما يذكره منها :
" ما الذي تعرفه دير غسانة منك يا مريد ؟
ما الذي يعرفه منك أهلك الآن ؟
ما الذي يعرفونه مما مر بك ... أنت لم تنتقل من سواد فوديك إلى شيبهما تحت أعينهم ".

إذن فهو غريب حتى بين أهله .. لأن ثلاين عاما من الغياب والتنقل كفيلة بأن تخلق منه شخصا آخر غير الذي عرفوه ، ولأجل هذا لن يقدر على الاعتياد ولا الانسجام .. بل هم الذين لم يعرفوه كما هو .. لا كما يتوقعونه " فهل يتذكر الكثيرون مفردهم ؟ " .

ولأنها غربات .. ولأن مريد سيحمل دوما كل مرارة الغربة وحده بطعمها اللاذع القاسي ، ولأنها تعددت في قلبه فصار مشتتا لا يكاد يلم روحه في مكانه حتى تتناثر مرة أخرى .. لأجل كل ذلك يتكرر حديثها عنها ، ودائما يصفها بالعذاب الذي لا ينتهي ولن ينتهي حتى يعود الغائبون حيهم وميتهم إلى التراب الذي حرموا منه .

" أحاول أن أضع الغربة بين قوسين ، وأن أضع نقطة أخيرة في سطر طويل من حزن التاريخ ، التاريخ الشخصي والعام . ولكني لا أرى إلا الفواصل ".





.
.


كان أجملنا ..


بعد أن أنهيت قراءتي الثالثة لسيرة مريد البرغوثي .. شعرت أنها صفحات لتخليد منيف .. منيف الهامة العظيمة التي تطلع لها دوما ، والذي لم ولن يكون موته القاسي مجرد مأساة بل أكثر من ذلك بكثير ..
لأن منيف لن يكون في تلك الصفحات مجرد أخ وأكثر بل يتعداه ليمثل المغترب الفلسطيني المحروم حتى من حفنة تراب يدس فيها بعد أن يغمض عينيه .. منيف الرجل الذي تحمل كل أثقال العائلة الكبيرة المتشظية في عروق الأرض .. منيف القدوة والحلم والقضية التي لن تنتهي حتى يعود الوطن ..

في قراءتي الثالثة قررت أن أحصي عدد المرات التي أعاد فيها تكرار اسمه ، اسمه الذي رسخ في أقصى الذهن وأنا أقرأ أخاه .. وإذا بها تفوق العشرين مرة ، وهي ظاهرة لابد وأن تشي باهتمام مريد بأن يخلد صورة أخيه في النص .

ولأجل ذلك أقف على قناعة تامة الآن بأن السيرة مهداة لمنيف .. منيف خاصة حتى وإن لم يصرح الرغوثي بذلك .

وقد يكون منيف أحد العوامل التي أملت على البرغوثي الإصرار على دخول رام الله ، إذ مات قبل أن يعود إليها ويودعها .. وما كان يفصله عن محاولته الأخيرة للدخول إليها وعن موته سوى ستة أشهر .

" منذ قدمت أوراقي لسلطات الجسر ، ووجهه يلح علي ، هذا المشهد مشهده هو .. مشهد منيف " .

والعجيب أنه يتحدث عنه أكثر من أي شخص آخر ، يدسه دسا في كل فصول حكايته ، موضحا دون أن يقصد أثره على حياته عامة ، وعلى أوجاعه التي لم ولن تنتهي خاصة ..






.. هنا رسمت النقطة وسلمت القراءة تحت تهديد الدكتور ، بأن آخر موعد لقبول التقرير سيكون قبل الثانية ظهر .. \


لذا أعتذر لمريد الذي أبدع ولم أصوربعض جمال أحزانه ..
وللدكتور وليد خالص ليقيني أن القراءة كانت تستحق أن تكون أكثر روعة من هذا ..
ولقلوبكم المتعبة حتى هذه الكلمة


التوقيع

يا الله .. \

كم أود الآن لو ترفعني إليك راضٍ ٍ بلا سخط على تفاصيلي الصغيرة .. ،
فإني أحتاجك .. \


كيّان غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مذكرات مريض بالسرطان شوق التلاقي جنّة البوح 1 05-05-2009 04:14 PM


الساعة الآن 03:39 AM.

..[ جميع الآراء والأفكار المطروحة تعبّر عن كاتبها , ونحن كـ إدارة نخلي مسؤوليتنا ]..

Powered by vBulletin® Version 3.6.7