24/01/2008
من المحزن ان تتشابك الخيوط السياسية بالخيوط الثقافية، ومن المحزن اكثر ان يقف السياسيون عقبة في طريق التقاء الشعوب وتصافحها.
هذا ما يحصل اليوم بسبب قرار فيروز المشاركة في احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية، حيث انبرى بعض السياسيين ينتقدون هذه المشاركة بسبب الخلافات السياسية بين البلدين، على الرغم من ان هؤلاء السياسيين ايا كانت توجهاتهم، هم سبب هذه الخلافات، وهم الذين يحاولون ان يبددوا عطر المودة بين الشعبين.
لبنان يعتبر محورا ثقافيا مهما ويكاد يكون غيمة تمطر في اي اتجاه، من دون حسابات سياسية ضيقة، ولطالما كان المثقفون العرب حين تضيق بهم دور النشر بحرياتها وشروطها ييممون وجوههم شطر بيروت التي تمنحهم فضاءها الازرق الفسيح، وتهبهم مقاهيها، يكتبون فوقها ما يشاؤون وتسكب لقدومهم بحرها قصيدة ما زال صداها يتردد في اشعار نزار قباني وادونيس، والكثير الكثير ممن نهلوا من صحافة لبنان الذي لم يكن شحيحا يوما في تدفق ثقافته وابداعه الى الآخرين.
ان الاعتراض الذي ابداه بعض السياسيين على مشاركة فيروز في احتفالية سورية يؤكد انهم فعلا لا يريدون للانسجام ان يتحقق ولا للسلام ان يعم، ويثبتون عن جدارة انهم دعاة تعميق للخلافات بين الشعوب، وليسوا دعاة تهدئة، تلك الشعوب التي من الاجحاف والظلم ان تدفع ثمن الخلافات السياسية.
ان الاحتفالية هي احتفالية ثقافية صرفة، وحضرها رئيس كان يمثل لبنان بغض النظر عن الخلافات حوله هو الرئيس اميل لحود، والاحتفالية دعت اليها اليونيسكو وليس الوزير وليد المعلم، والشعب في سوريا يعشق صوت فيروز وهناك مقهى ثقافي مهم جدا في دمشق القديمة اسمه مقهى «على البال» مخصص بكامله لفيروز، منذ اكثر من سبع سنين وسجل عليه انه «هدية الى فيروز» ويمنع فيه منعا باتا بث اي اغنية لغير فيروز وجدرانه تكتلئ بشتى اللوحات المرسومة لها ببراعة، واتمنى من السياسيين ان يزوروا هذا المقهى لعلهم يشذبون ارواحهم بصوت بنفسجة الابداع الغنائي.
لقد حدثت على مر التاريخ بين دول العالم قطيعة اكبر من تلك التي تحدث اليوم بين السياسيين في لبنان وسوريا، ومع ذلك كان العقلاء حين ينوون ارساء التقارب بين البلاد، يبدأون بالعمل الثقافي، بل ان حتى الحروب الطاحنة بين هذه الدول لم تمنع بحال من الاحوال للاعمال الابداعية من شعر وقصة ورواية ان تنتقل بين ايادي الشعوب.
يفترض اذا كان ثمة نوايا حسنة يريدها السياسيون ان تتحقق بين الشعوب فعليهم ان يساندوا اي تقارب ثقافي، بل يفترض بهم وفي هذه الظروف بالذات ان يتركوا للمثقفين دورهم النبيل كي يمارسوه بشفافية بعيدا عن اي اغراض شخصية او اعتبارات ضيقة، وعند ذلك سوف يرون من سيحقق نتائج ايجابية افضل هم ام المثقفون؟
لقد حرمنا السياسيون من اشياء كثيرة، فرجاء ان يتركوا لنا فيروز.