من عمق الذاكرة (1)
من عمق الذاكرة (2)
من عمق الذاكرة (3)
/
(4)
انتهى الأسبوع .. يجب الآن أن أطوي النوم وأضعه فوق خزانتي حتى آخر السنة .. سأبدأ هذا الفصل بحماس أكثر .. يجب علىّ النجاح بجدارة .. كفاني تبلداً .. وهذه اللغة التي تورطت بها يجب أن أتعلمها وبجدارة فقط لأني أكرهها .. سألتهِمُ أكسفورد بنهم خصوصاً عائلة الكلمات المنتمية للرقم سكس والمتشربة بحمرة النساء لأرضى شغفك مس فيروز.. و سأستنشق الدم في سطور شكسبير حتى أصل للمجرم الحقيقي بعدها سألطخه بالخطيئة تحقيقاً لعدالة درامية .. وسأعصر عيني حتى أغرق القاعة حزناً تفاعلاً مع تشارلز ديكنز وسأصبغ أرنبة أنفي بالأحمر وأؤمن للمرة الأولى والأخيرة بالأمل لـ "عيونه".. وسأكتب عن الفقر والفقراء و أسى العالم وعن الأيدي الخفية التي تمتد لهم تلك التي لا ترى بالعين المجردة ولا بغيرها ..أو سأختصر علىّ المسافة وأتحدث لكِ مس إيمان عن أشهر محلات اللانجري في السعودية لأخذ وبجدارة A+..وسأحفظ عن ظهر غباء كل جداول الشواذ والتصريفات لتمنحيني لقب ذكية مس فاطمة .. أما كوليردج و شيللي فسأشدو بقصائدهم فوق الغيوم لتهطل حباً و حناناً .. علّها ترويني أنا المنفية خارج قلبك .
شعور فادح الوجع أن تُمضغ أربع سنوات ثم تبصق على ناصية الطريق لتجدك وحدك في أوج عزلتك عن ذاتك أيضاً..!
أقف أمام المرآة أصابعي تتخلل شعري لتصل لآخر نقطة من عنقي رفعة بسيطة وأكسر عنقي و أنتهي ولكنني لن أفعلها فكسر الأعناق للأوغاد مثلك .. أحرر شعري من قبضة ربطة سوداء لا توحي إلا بحداد وأقف بشموخ مبتسمة بـغرور.. أقترب للمرآة أكثر فأكثر أحنى رأسي وألصق أنفي بزجاجها وأصرخ:
آووتش بارد..!!
بعدها تولد من شفتي أمنية حارة:
ليت النهاية تكون بهذه البرودة ..!
أبتعد عن المرآة لأفتح خزانتي و أبحث عن تلك التنورة السوداء وذلك القميص الأبيض الذي مازلنا نجبر عليه لنحول بهذا اللباس "كلية الآداب" لـ "دار أرامل" .. و هو زي يليق بي على الأقل أنا أرملة الحب .. أرملة الأب والأم .. و أرملة اللغة .. و النوم هذه الفترة ..!!
تدخل بشعرها المجعد والمنفوش بعد حمام أظنه ساخنا .. أضحك على منظرها وأسألها :
- الشحرورة هل أبقيتي لي ماءً حار..؟
- نعم أبقيت لكِ لكن ليس لسواد عيناك ..( تمد لسانها بحبور)
- إذا لمن لسلة السيف أنفي .؟
- لا ..و لكن حتى لا تجدي حجة وتتغيبي عن الدوام أريدك أن تستيقظي معي وتشعري بصراخ سي السيد..
- أيتها الحسودة ..
صرخت بها وأنا خارجة لآخذ حمام ساخن..
المياه تتسربل على جسدي..وأبخرتها تخنقني..أتحداها بنفخ فقاعات الصابون من شفتي "يخ" طعمه مقرف كحبكـ..!
أستلقي على سريري بعد ذلك الحمام الخارق يآه للمياه الحارة قدرة على تخدير حواسك ولكنها بالتأكيد ضعيفة أمام حاسة التذكر..كتذكرك مثلاً..
أخترع خرافا جديدة لعدها خرافاً تحمل عدة تنبؤات لغيابك.. وأنام بعدها..!
صوته ينافس أضواء الشمس التي تتخذ طريقها لعينيّ..
يلاحقني كظلي على المغسلة و عند باب الحمام و على سفرة الإفطار ... بربك يا أبي كف عن إلقاء التهم الباطلة بي .. لم أتأخر .. ولم أسهر .. ورب السماوات ..
بارتباكٍ أخرج من البيت وأركب بجواره مسافة صغيرة تفصلني عنه و أكاد أقسم أن كلاً منا في فلك يسبح..!
هذا هو المبنى .. ولكن أين أنتِ ؟ وكيف سأجدك بين هذه الجموع ..؟ كتفي يلتصق بهذه وتلك .. وأذني تنخرها أصواتهن وضحكاتهن .. والمسكين الوحيد هنا هو أنفي الذي عليه أن يستنشق هذا الكم الهائل من العطور..
يا لهُ من صباحٍ خانق..!
يد تمتد لكتفي ..ألتفت خائفة..وأصرخ:
-أف أخفتيني
-لماذا ..؟
-خفت أن تكوني واحده بثره من راعيات البوس..
-أتمنى أن أعرف لماذا تحملي همه..؟
-لأن شفتي خلقت لهُ فقط .. يا ذكية ..
-آها ..راضيه عنه..يا بخته..
-ما حزرتي..دعينا منه واحكي لي عنك..
نسرد أحداث إجازة باذخة التنوع..من بداية الدوام حتى نهايته..و الذي أقسمت فيه أن لا أدخل لأي محاضره لأني أنا الممتلئة بك و بحبك فضلت الانفجار لها تارة بالبكاء وتارة أخرى بالضحك..!