اخر عشرة مواضيع :        


العودة   منتديات جنّة الروح الأدبية > .,؛,. أدب الأرواح .,؛,. > جنّة البوح

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-04-2005, 04:26 AM
الصورة الرمزية جنَّة الروح
جنَّة الروح جنَّة الروح غير متصل
 

جنَّة الروح is an unknown quantity at this point


..
..



حينما وصلني صوتك..متأخرا ..بمسافة جرح ..

نافضا غبار الزمن ..

فضيا .. دافئا .. حنونا ... و مترف بالخزامى ..

كنتُ أنـا .. كشجرة سرو صلبة ..

كنتُ قاسية و أنا أخبرك .. بأن حضورك ما عاد شمساً ..

و غيابك ما عاد يدخلني دياجير الظلمة ..

كنتُ قاسية و أنا أخبرك .. بأن الأماني التي طالماعلقتَها -أنت- على على حافة

القمر .. قد أرقتُها ..

و الناي الذي طالما طربتَ لعزفه .. قد كسرتُه ..

و ألغيتُ الذاكرة كلها ..

* * *

رغم الوجع الذي يجتاحني .. و صوتك المتداعي ..

لم أرد أن تعرف كم من الطيورة المهاجرة قد حملت رسائلي إليك ..

كم أغمضت عينيّ على حلم يحويك ..

كم خططتُ الخطوط و شطبتها على جدران انتظاراتي ..

و تموت الأيــام .. و لا أراك ..

.
.
أردتُ أن أكون نخلة شامخة .. لا تقتلها ملوحة الأرض .. و لا شحهــا ..

* * *

الليلة ..

تسللت الذكرى مع صوتك .. كانت شهية مغلفة بالطعم القديم ..

لكني رفضتُها ..

رفضتُها .. و أنا الذي يعيث بي الحرمان نزفــا ..

رفضتُها .. و أنا الذي مد العطش جذوره الشائكة في روحي القاحلة ..

رفضتُها .. و الزوايا ما زالت تشكو فراغها ..

و الأماكن تغتالها الوحدة ..

و تتناحر عقارب الوقت .. دون أن تلقاك ..

* * *

و حينما انسحب صوتك للتلاشي ..

.
.
.
.

ضمني الألــم في عناق باك !!

اخر مواضيعي

رد مع اقتباس
قديم 08-04-2005, 04:28 AM   رقم المشاركة : [2]
جنَّة الروح
الصورة الرمزية جنَّة الروح
 

جنَّة الروح is an unknown quantity at this point




..
..



لا تعلم متى تسربت أشعارك من جعبة صمتك ..
مثلما تجهل كيف أصبح حرفك المهموس ، صوتا جهوريا يتخذ من حناجر الآخرين مأوى ..
كل شؤونك الصغيرة ، تقاسمها طلاب القاعة ..
و اللقب الذي أطلقوه عليك صمتا ما : "الصندوق المغلق" ، أضحوا جميعا يملكون نسخة من مفتاحه ..
رغم كل ذلك ، لم تغير عاداتك ، وحدها نيتك التي غيرتها ، هذه المرة لم تجلس في المقعد المتواري خلف نتؤ الجدار ، هربا من المشاركة مع الدكتور ، بل من أحلامك التي استحالت إلى لوحات تتخذ من عيون الآخرين جدرانا تتعلق بها ..

قصائد درويش ، أصبحت منقوشة على دفاتر ليست لك ..
نجمك ، يتمتم به خالد ..
و مشعل يسخر من أمنياتك (التافهة) بصوت عال ..

تحاول أن تتجاهل كل ذلك بجمع شتات ذاكرتك ..
بيت للسياب .. مقطع من (جلجامش) .. أو حتى تفاصيل حلمك البارحة ..
فلا يرتد لك إلا بياض ، و صوت تخاذل القلم بين أصابعك .. و مشعل يسخر من أمنياتك مرة أخرى !

تستأذن من الدكتور لتبحث عن ذاتك التي أضعتها ..
البهو يتلقف أنفاسك اللاهثة ..
و لعنة تختلج داخلك ، تخجل من البوح بها ، على هذا الأسبوع التعِس :
" اختبار حُرمتَ منه ..
هاتف مسروق ..
و سيارة تهرّب الزيت .. "
تُغرِق تعبك في كوب قهوة ، قبل أن تنتعل الممر عائدا إلى القاعة ..

* * *

أخذت القاعة تتخلى عن الطلاب بعد أن أنهى الدكتور المحاضرة ..
و لم تستعد ذاكرتك بعد ..
كنتَ تنتظر أن يفرغ المكان ، علّك تجد سرا لم يكتشفه أحد ، في أحد زوايا القاعة ..
وحده .. مشعل .. لم يخرج ..
انكفأت على مقعدك ..
و أخذت تعبث ببياض الورق أمامك .. منتظرا خروجه ..
اقترب منك ، و يده تعبث بشيء في جيبه ..
لملمت شخبطاتك ، و استعددت للرحيل ..
- هيه .. وين يا أبو عز ؟
- طالع ..
- مضيع شي ..
تنظر إليه ، و ثمة (نعم) تريد أن تقولها .. فيخذلك صوتك ..
- ما عليك شرهه .. حاط ذاكرتك بجوالك ، من وين بتذكر شي ؟!!
أخرج هاتفك من جيبه ، و وضعه على الطاولة المبسوطة أمامك ، بطريقة تشي بالفضل ..
- معليش أبو عز ، أنت نسيته بالكافيتيريا الأسبوع اللي فات .. و حبينا نتسلى فيه أنا و الشباب .. قبل ما نرجعه لك ..
لم تسمع ما قاله ، لأنك كنتَ مشغولا بفتح (الحافظات الشخصية) ، و لم يسمع منك إلا صرخة ألم حينما وجدتَ :
(فـــــــــــــــــــارغ) تتربع على صدر الشاشة !!





جنَّة الروح غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-04-2005, 04:31 AM   رقم المشاركة : [3]
جنَّة الروح
الصورة الرمزية جنَّة الروح
 

جنَّة الروح is an unknown quantity at this point




..
..



لم أعبأ بالأمر بداية، إذ أبت ملامحه الظهور..
كان الليل يتجرع ساعاته، دون أن يزعج الأطفال النائمين داخل البراويز الكثيرة، بينما يتمادى السائل القلوي في حرق أصابعي، حلكة عمياء تمعن في غرز عينيّ بأشواكها، والرائحة الحادة تقتل حاسة الشم لديّ ببطء.
نصف ليلة عبرتني، دون أن تظهر ملامحه، حتى أويتُ إلى نومٍ مضرّج بوجهه!

لا أدري ما الذي ملأ شريط (الفيلم) به، كان الشريط الأخير بعد عمل صحفي مضني، و قرّر القدر أن تكون محطته الأخيرة، قبل أن يصعد حافلة لـ يمضي، لا أعلم إلى أين ، أعلم أنه مضى، و موقنة من أنه لم يترك رسالة لمسافة الزمن الأجدب، التي استشرت بيننا دائماً.

لم نلتقِ إلا قليلا، عملي الميداني، يتطلب مني غيابا طويلا عن المنزل، في وقت لا تتيح له تجارته قُربا مستمرا.. كنّا نتوازى كثيرا، ونلتقي على عجل، بحقائبه المرتّبة للسفر كحقيقة ماثلة، و عنقي المطوّق بـ (كاميراتي) دائما


***



" نظراً لجودة الصور التي تزودين الصحيفة بها، واختيارك الجيد للموضوعات. إضافة إلى تغطيتك لكثير من الفعاليات التي تقام في المدينة، يسرنا دعوتكِ للانضمام إلى طاقم التحرير في الصحيفة، وتوقيع عقد رسمي بمرتب شهري يُتفق عليه حال موافقتك على بنود العقد"

رئيس تحرير صحيفة العاصمة
جمعة الخميس




نسخة للمصورة ميسان الخالد
نسخة للصادر


***




36 صورة ، لا تحمل وجهاً أو ملامح ، لا تحمل صوتاً كذلك، مع يقيني أنه لا يجب أن تحمل صوتاً، هكذا درست ، وهكذا كتب الله على هذه المادة السوداء المـُبصرة . لم أيأس من كون النتيجة متكررة..
36 بقعة بيضاء، ذاكرة مجوفة تماما، دائرية الأطراف، بحواف سوداء حادة، تنفي كل التفاصيل إلى خارجها.
***



بذرة من قلق وقعت في القلب، فوجدت لها مكانا آمنا للنمو. لم أجدني بحماس كهذا من قبل، تجاه أيّ صورة سابقة. محاولتان فاشلتان، كانتا كافيتان جداً لأن أتوقف عن إظهارها.

كنتُ أبرر لنفسي هذا الحماس.. بأني يجب أن أوجد له مكانا مميزا في سجلّ الذاكرة، رغم أني أكثر من يعلم بأنه لا يستحقه، أو ربما لأني أريد إرضاء ضميري الذي مارس عليّ ساديّة مفرطة، لعدم حزني على غيابه كما يجب أن تفعل أي امرأة تجاه رحيل زوجها، فأردتُ لموته رهبة أكثر.
كنت أخاف نسيان ملامحه، خصوصا أني لم أجد أي صورة له، كان الألبوم الذي نرتب به ذاكرتنا.. خاليا، و تبدو آثار نزع عنيف للصور، لم يبق سوى تلك التي لا تحمل غير أماكن خاوية، أو مقاعد لا أثر لجلوس إنسان عليها، حتى أشرطة الفيديو التي توهمتُ وفاءها، وجدتها مملوءة بتسجيلات لمباريات كرة القدم من بطولة كأس العالم الأخيرة !

طوال النهار التالي كنت أبحث في الخزائن التي لفظت أشياؤه سريعا بعد موته، علّ دليل ينتشلني من التيه، فما وجدت غير يباب، و رماد بارد صبغ يديّ بلون شاحب كالرحيل.


***



كل الوجوه.. مسافرة.. أو على شفا سفر..
تلح بإصرار غريب على ترك مساحات الذاكرة نظيفة من غير أثر. كنت أظن أن وجهه هو الوحيد الذي تقاعدت ملامحه عن الظهور، حتى أدركتُ بأن الصناديق و الأشرطة السوداء لا تهدر بغير بياض صاخب.
بعد محاولات منهكة، و فاشلة في إظهار تفاصيل تلاشت قبل أن توجد. تقلدت آلتي، و مضيت أحرث في دروب قحلت من خطاي منذ زمن بعيد.
***


ابتسامة قرض السوس شيئا من بهجة أسنانها الأمامية..
مقعد خشبي، انحنى فوقه ظهر مثقل بالعمر..
عينان مغرقتان بالانتظار..
و تفاصيل لوجوه مارقة، لا تلتفت..ولا تتمهل..



***



كتب-المحرر
حازت المصورة (ميسان الخالد) في صحيفة العاصمة، على جائزة الدولة الأولى في التصوير الفوتوغرافي، عن مجموعتها الأخيرة المعنونة بـ(ملامح)، و التي تميزت بنظرة مختلفة، و طريقة تجريبية جديدة، تستحق المتابعة.
الجدير بالذكر أن ميسان، التي عُرِفت بتصويرها للبورتريهات، و مظاهر حياة الشارع، امتنعت عن التعليق على فوزها، و اكتفت بشكر لجنة التحكيم التي أحسنت الظن بصورها. متمنية للجميع حظا جميلا.

***



لا شيء !
تماما لا شيء !!
سوى لفائف سوداء سرمدية، تمعن في تناسل عقيم ..
لا وجوه .. سوى بقعة من بياض متوهج، يمسخ الملامح..
يقود الأعين لجنون الألوان..
يحيل الأنوف و الأفواه.. إلى مسوخ من نور !

كيف يغدو النور مرعبا إلى هذا الحد؟!
لِمَ يمارس تهميشا مستمرا للذاكرة ؟!

لا أستطيع الاستمرار في حياة من برزخ !
هذا النسيان الناقص يعرف تماما الطريق المستقيم نحو.. الجنون !
كيف تقتنع طفلة جيراني التي طلبت مني التقاط صور لها هذا الصباح، أن لعنة الفراغ تلاحقني؟ وأن أصابعي قد تمكن منها الموت، وعدستي عمياء؟!
وأني لن أظهر صورا لا تعبأ بي.. و تتبجح بوجوه لا تطل إلاّ على الآخرين !






جنَّة الروح غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-04-2005, 04:34 AM   رقم المشاركة : [4]
جنَّة الروح
الصورة الرمزية جنَّة الروح
 

جنَّة الروح is an unknown quantity at this point




..
..



وقع الخطوات التي تملأ الليل ، تقرع في صدري طبول النهاية ..
صوته اللزج يملأ رأسي ، تاركا الذاكرة تضيع بالتفاصيل ..

رجوت الحارس المكلف بحراستي أن يقف على رأس كل ساعة ، دقيقة واحدة، لأعرف كم من الزمن يفصلني عن الموت .

قبل أن يعصب الجندي عينيّ ، اختطفتُ الوقت من الساعة المتشبثة بالحائط ، و منذ أن أغلق الباب دوني ، توقف الحارس ثلاث مرات ، و القبر يقع على مسافة خمس ساعات مني ..




* * *




بصوت مشوب بالهزء أخبرني :
- تكمل شبابك بالجنة ..
لم تفلح تقاطيع وجهه الناعمة ، في إخفاء الخبث الذي ينز من عينيه . مذ تولى التحقيق في قضيتي ، و هو يحاول أن ينتزع من سكوتي حديثا يملأ به الأوراق التي تموج على سطح مكتبه ..
و منذ ذلك الحين ، و أنا أماطل بصمتي ، و أغمض عينيّ حتى لا تبوحا بشيء بالرغم عني ..

الساعة الثانية عشر ..
هكذا أخبرتني الوقفة الأخيرة للحارس ..
البرزخ بانتظاري بُعيْد الليل ..
قبل أن يتنفس الصبح ..
قبل أن تستيقظ دعوات أمي ..
و قبل أن يصعد والدي (السكريّـة) ليخرفها ..

ثم أدس بالتراب ، دون رأسي الثقيل .. هذا !





الساعة الواحدة ..
يطول وقوف الحارس ..
حبل الحياة ، يُفتل بقوة ، لن يأتي الفجر إلا و قد انقطع ..

للمرة الأولى ، أسخر من جراحي ، و تبادلني سخرية أمرّ ..
تطل أمي من كوة ماضٍ بعيد ، مجللة بالضوء ..
يقبل أبي متسربلا بالماء ..
يرافقهما أصوات مشوشة لثـُغاء أغنام و حنين نياق ..

و طعم لماء بئر .. يستقر في حلقي ..


كيف يمكن لميت أن يفكر ؟
أن يتلهى بـ (تقشيم) ذاكرته ، انتظارا للموت !

ربما فات عليّ أن أسأل رفيقي الذي سبقني إلى (الصفــاة) !


* * *




لم أعد أميز رقم الوقفة الأخيرة للحارس ..

ربما يطرقون علي الباب الآن ..
ربما بعد ساعتين ..

سيداهمني الرحيل ..
سأضحك ، و ربما سأغني ..
سمعتُ أنهم يلبون الرجاء الأخير للمحكوم عليهم ..
قد أطلب شيئا من الكافيار ، أو ثمر جوز الهند !
لا .. لا ..
سأطلب من الجلاد أن أجرب أنا بنفسي أن أقطع رأسي ..
و أحدث رأسي المقطوع ..
سأوصيه بأن يغمض عينيه جيدا ، و يطبق شفتيه بحرص ، حتى لا يتسرب البوح ، دون علم منه ..


و سأتمدد براحة في الحفرة الصغيرة ، دون رأسي الأمين !!






جنَّة الروح غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-04-2005, 04:36 AM   رقم المشاركة : [5]
جنَّة الروح
الصورة الرمزية جنَّة الروح
 

جنَّة الروح is an unknown quantity at this point




..
..



أخبرني وصوته يحمل رائحة السنين، وعبق لابتسامة خافتة:
"رسائله تطرق أبواب الحلم"..
حدثني يوما عنه..ثم أمسك، لم يعد يتكلم لا عنه ولا عن غيره.

مذ صبتنا السبل في مصب واحد، والصمت الذي تضخه الجدران لم يتوقف، كان ثقيلا..بطيئا..لكننا ألفناه..
لم أكن أكرهه، بل على العكس تماما..
ثمة ود ينبعث كذبذبات خفية..لا أعلم إن كانت تصله..
لكنه دوما ما كان يحتفظ بابتسامة لم أره يمنحها غيري..

***

ذات مساء..انتهك خرس حروفه، بعد أن أرهق أصابعه بمحادثة طويلة عبر (الماسنجر)، وحينما انتبه إلى أني ما زلت أقلب صحيفة مضى على تاريخها يومان، وكوب الشاي الذي تركته على (المركاة) قد تلاشت أبخرته، اقترب مني وفي فمه حروف لم يمنحها صوتها بعد، كان يبدو وكأنه ينتظر أن أتخلى عن الصحيفة لينثر كلامه بين يديّ:

"استوطن الأحلام منذ زمن..وأصبح يرتادها كل ليلة، لم يكن يحمل وجها محددا..لكن صوتا قد انزوت في أحد أركانه بحة مهموسة، ورائحة تنفذ إلى الروح مباشرة، كانتا كافيتين لإعلان وجوده"..

سكت وأغمض عينيه طويلا، وكأنه يريد أن يستحضره كما الحلم، أما أنا فقد التفت مباشرة إلى الشاشة التي مازالت نوافذها مشرعة..

"في البداية لم آبه به..لكن صوته الذي ظل يتمدد في ذاكرة الأحلام..ورائحته التي تمتطي صهوة الليالي الغافية، فتحيل اليقظة إلى معركة أنا الرافع فيها راية البياض أبدا..جعلاني معلق بأفق ارتسم بلون الشفق على حافة الحلم!!"

ثم قام إلى الجهاز، فأوصد النوافذ..وتوارى في غياهب الصمت..

***

كنتُ أرقبه وهو يمعن في حلمه كثيرا، نومه الذي يبدو فيه أنيقا، وأحيانا فاتنا!!..
قراءاته الموغلة في شاعرية تفيض فتترك أثرا غامضا على تصرفاته..وجلساته الطويلة للتحدث عبر (الماسنجر)، في كل هذا لم يكن يثير عجبي سوى شيئا واحدا:
"لمَ امتهن الصمت؟"

***

في الليالي الطويلة، وحينما يعلن الملل سيطرته التامة عليّ، كنت أمني نفسي بأن يستأنف يوما ما حديثه، كنت أريد أن أستشف ملامح حلمه من ثنايا كلماته..
هذه الأمنية لم تكن سوى محاولة للهروب من الرتابة المحدقة بأنفاسي، لكنه لم يتكلم قط..

أخذ الحاجز الذي وجدَ بيننا، ينمو..يتضخم..حتى غدا ورما يملأ كل المنافذ، أصبحتُ محشورا في زاوية ضيقة من الوجود، طوق حول عنقي أخذ يتقلص باطراد..وأنا بلا حلم..بلا طموح..وبلا أفق أرنو إليه..

***

السنون التي استوطنتنا معا، علمتني أنا أيضا كيف أحترف الصمت..لم أعد أتحدث..وكنت أحيانا أنسى كلمات تلوح دوما على أطراف شفاهنا..أصبحت ألتهم كتبا لم أتوقع يوما أني سأقرأ عناوينها. فالجرائد التي أصبحت تطبع نفس الأخبار يوميا، وانزواءه الطويل أمام شاشة الجهاز مناجيا حلمه الذي تأكدت أنه يقبع خلف جدار ما، كلها علمتني كيف أصمت..وكيف أقرأ..وكيف أدخل الحمام دون أن أغني فيه!!..

***

شعرت بأن شيئا آخرا قد يكون أكثر إثارة لولا هذا الحلم، تساؤلاتي التي كانت تبحر بلا مرسى لم تتوقف يوما:
"كيف يعرف صوت (حلمه)..ورائحته..و (الحلم) متلاش في الغياب؟!!"
كانت الأسئلة تنحسر..ثم تعود لتلطم الداخل بقوة..وبلا صوت أيضا..

***

محاولتي للخروج من رحم الصمت..كانت ولادة كسيحة. الشعور بالعزلة قد مد جذوره في أعماقي، فلم يعد لأي شيء وقع على روحي.
كنت أعود في ساعة متأخرة من عند الأشخاص الذين حشرت نفسي بينهم، فأعبر مدخل الشقة إلى غرفتي، وصوت النقر على لوح المفاتيح يتسلل إلى أسماعي الناعسة.

المرات القليلة التي لا أسمع فيها صوت أصابعه، يعصف بي الأرق..الصوت الرتيب كان بالنسبة لي الأغنية التي تأخذ بيدي إلى دنيا النوم.
وخلال نوبات الأرق هذه، كنت أتمنى لو أذهب إليه لأخبره بأني مستعد لدفع مبلغ الاشتراك (لحلمه) كي يعود إلى الثرثرة معه.
وفي مرات أخرى، أكاد أطلب منه رقم هاتف (الحلم) كي أتصل به لأوقظه، لكنني أتذكر أنني لم أره مرة واحدة ممسكا بسماعة الهاتف، فأستبعد إمكانية الاتصال به خارج العالم الشبكي المجنون.

ذات أرق..وقد توقفت أصابعه عن العزف..قررت أن أحاصر حصونه..وأجتازها إلى داخله..
أقسمتُ على نفسي أن أدفعه للحديث..الأسئلة التي سأجتاحه بها أصبحت ماثلة أمامي، سأدفعه إلى أن يوقع معاهدة (بوح) بيني وبينه..

طيلة اجتيازي للممر القصير الذي يفصل بين غرفتي وبين غرفة المعيشة التي يمضي لياليه فيها متناهيا إلى عالم مختلف..كانت الأسئلة العنيفة تحدث دويا مفزعا..سرعان ما تهاوت مثل قشور هشة حينما ألفيت المكان خاويا..تماما..
صامتا..أكثر من أي وقت مضى..صاحبي لملم بقاياه باتجاه الرحيل..ربما علم بالغارة التي نويتها عليه، أو ربما ذهب لملاقاة حلمه في مكان وزمان آخر..
كل شيء يدل على أنه لن يعود..الحلم الذي أردت أن أرتاده معه، تلاشى بغيابه.

صوت تهادى من الداخل:
"قد تجد النافذة التي هرب منها"..
جلست أمام الزجاجة السحرية..بوقار لم أعهده فيّ من قبل..
وباحترام لا متناهي تأملتُ قائمة الموجودين بـ (الماسنجر)..لم تكن تحوي سوى اسما واحدا، ربما أحسست بشيء في داخلي يضحك:
"لقد توصلت إلى حلمه أخيرا.."
كان الاسم الموجود (متصلا)، هذه المرة لم أشعر بشيء يضحك..بل أحسست بتكتكات مطر..يتسلل إلى الأخاديد القاحلة فيغمرها بالزهر، كان شعورا أخضرا..عطرا..

بيد منتشية حركت المؤشر نحو الاسم..الحلم..
نقرت عليه برقة..استجمعت كل العبارات الناعمة التي قرأتها في روايات غابرة..أصلحت جلستي..وتنحنحت..!!

"صباح الورد.."
كتبتها وثمة شعور سماوي يحتويني، وقبل أن أرسلها راجعتها أكثر من مرة..
أردت أن أرفق صورة وردة معها، لكني تراجعت مفضلا الاحتفاظ بقدر من الرزانة.

أغمضت عينيّ ببطء..وأخذت نفسا عميقا..وأرسلتها..
قبل أن أمنح عينيّ الضياء مرة أخرى..سمعتُ نغمة الرد..بوقت أسرع مما توقعت..
رسالة صغيرة برزت في ركن الشاشة: "صباح الورد"..
ثم نافذة أخرى تُشرع..للوهلة الأولى أدركت:
الرسالة عادت إليّ..والاسم (الحلم)..يفتح نوافذ أخرى على نفس الشاشة..لم يكن هناك متلق خلف أي أفق..

أما الأسئلة التي عصفت بي في وقت سابق من الليل..فقد ذبلت في قبضة الحلم الراحل..!!






جنَّة الروح غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-04-2005, 04:40 AM   رقم المشاركة : [6]
جنَّة الروح
الصورة الرمزية جنَّة الروح
 

جنَّة الروح is an unknown quantity at this point



..
..



ضيء..
مكتب سنديان عتيق ..
زجاجة حبر فارغة ...
و باب نصف موصد ..

و المطر في الخارج يضرب الأرض بعنف ..
و أنا ما زلت هنا ، نمت حول جسدي خيوط العنكبوت ,,
و في يدي .. شظايا جرح قديم ..

دقات الساعة الرتيبة ، تتسابق للثانية عشرة ..
و النوم دلّ طريقه إلى كل شيء سواي ..

كحداء حزين .. عادت الذاكرة تستجدي الذكريات الألم ..
تلك الذاكرة التي ما فتئت أجرها لأزقة حي مطمور تحت تراب الزمن ..
حيث كان النزف الأول ..

****
نمَتْ أمام عينيّ ..
كنت أودع عامي الثالث عشر حينما سمعت صوت أمها صارخا، قبل أن يولد الفجر بساعات قليلة ..
و علمت صباحا أن جارتنا أم العشرة ذكور ، قد أنجبت أخيرا .. بنت .

لم تكن سوى ابنة جيراننا ، لكني أحسست أنها شيئا آخر .. شيئا مختلفا ، ربما لكوني وحيد بلا أخوة.. هو المبرر لهذا الإحساس . لم يكن هذا السبب إلا أرضا هشة ، تهاوت على حين غفلة من تحتي .

سألت أمي أن أذهب معها ، ثم انتابني شعور أني سألتها امرا منكرا ، فأردفت قائلا :
ــ لم أر في حياتي مولودا يا أمي ..
ضحكت .. و سمحت لي بمرافقتها ..
قلت لأم سعد :
ــ سموها (ضيء) .. قلتها .. حينما أخبرتني بأنهم لم يختاروا لها اسما بعد ، لم أسمع بهذا الاسم من قبل ، لكنه جاء على لساني في تلك اللحظة فقط .
أخذتها بين يدي ، رحت أتأملها ، لم تفتح عينيها بعد ، خفضت رأسي و قبلت جبينها ثم أعدتها لأمها .

رغم ان أولاد جيراننا عشرة ، إلا أني لم أحس بـ (جيرتهم) إلا بعد (ضيء) . أصبحت أتردد عليهم يوميا .. لا لسبب .. سواها .. حتى نهرتني أمي قائلة بأني أصبحت رجلا و ليس من اللائق أن أدخل بيت جيراننا .

ألف الناس رؤيتي في السوق مع (ضيء) التي أكملت عامها الثاني . ضحكتها التي تملؤني فرحا .. عيناها الواسعتان .. لونها النجدي (الطيني) ، كل هذه أصبحت أساسا في حياتي ..
آخذها عصرا معي للسوق حيث أقف في دكان أبي ، و أتركها تعبث بكل شيء ..و أكتفي أنا بالضحك !

قهقهت فرحا ذات مساء صيفي ، عندما قالت لي أمي و هي تناولني فنجال القهوة :
أن أم سعد تقول" أن (ضيء) .. لا تكاد تعرف سوى (خالدا)ً .. حتى أنا بالكاد تعرفني .. فكيف بوالدها و أخوتها" ، علقت أمي قائلة : قد يأتي يوم .. و بالكاد تعرفك ..
ثم جلجل المساء بضحكي و ضحكها ، و أسفر بابتسامات أبي .

****

لم أشعر بالزمن إلا ذاك الصباح ، حينما طرقت الباب .. لتخرج إلي (ضيء) و تخبرني بأن أمها رفضت أن تسمح لها بالخروج معي ، لأنها كما تقول أمها أصبحت كبيرة ، و من (العيب) أن تخرج مع الرجال.
ــ عمي .. سأظل أشتري من دكانكم .. كأنما تعزيني .. و ابتسمت ثم توارت خلف الباب الذي أوصد ببطء ..

(عمي) .. بقيت ترن في أذني .. بل تتفجر .. لم أشعر يوما بالألم كشعوري به ذاك اليوم ..
استلقيت على فراشي ، لأكتشف أن الفلك قد دار عشر دورات كاملة منذ أن أشرقت (ضيء) ذات ليلة .

كنت أشعر بالغيظ ، بالجرح ، بحزن دامي.. كيف تمنعني أم سعد من ضيء و قد قبلتها صباح ما ، بين عينيها ، كيف تمنعني و قد أضاءت حياتي لعشر سنوات .. كيف يطيب لها أن تغمر باقي أيامي بالظلام دون سابق إنذار ..

ثم وجدت نفسي أبكي .. و قد ارتوت وسادتي دموعا ..


هبط الليل شيئا فشيئا على قلبي ، مر زمن دون أن أخرج من الغرفة ، حتى قهوة المساء لم أتناولها مع أهلي ، و الشعور بالمرض بدأ يتسرب إلي ، و أخذت الحمى تسري في أوردتي .

طرقت أمي الباب أول الليل ثم دخلت ، راعها منظري ، وجه محتقن .. و عرق نازف .. و جسد مشتعل، لم تنبس ببنت شفة ، أطالت النظر إلي ثم وضعت يدها على رأسي ، و أدنت فمها من أذني و همست :
و ما الذي يعنيك من أمر طفلة ؟!!!
أمي هي الشخص الوحيد الذي يكاد يفهمني في كل شيء ، كنت متأكدا من أنها تعلم كيف أثرت (ضيء) في حياتي ، و أني ما زلت أعدها جزءا مني ، و حرماني منها يعني كارثة لي ، قلت لأمي :
هي طفلة .. لكنها طفلتي .. أم سعد قالت ذات زمن أنها متعلقة بي .. فكيف تقطع حبلا سمكه عشر سنين ؟!!
مسحت أمي وجهي بقماش مبلل ، في محاولة يائسة لإطفاء الحمى التي سرعان ما اتقدت في سائر جسمي ، ثم أويت لنوم متقطع حتى الفجر .

* * * *
ككل الأشياء التي تبدأ كبيرة ثم تصغر ... كانت (ضيء) ، شعلة بدأت متوهجة ثم أخذت تخبو رويدا رويدا .

تمر بالدكان الذي آل إلي بعد وفاة والدي ، تبتسم لي .. فأرد ابتسامتها بابتسامة باهتة .. فقدت ألوانها منذ أن حال بيننا ذاك الباب في صباح عمره زمن جريح .
لا يؤلمني أمر أكثر من قولها : عمي ، رغم أنها غدت خارج أسواري ، لا زلت أكرهها منها ، كم مرة كادت أن تجمح جيادي لأقول لها : خــــالـــد .. ، لكني ألجمها قبل أن تنطلق ، و يبقى في قلبي طيف منها في طريق عودتي مساءا ، ثم أقتله حالما تبتلعني الدار .

كل ما في حياتي كان راكدا ، إلا من بعض الأعمال التي يتطلبها الدكان ، ثم يعود الإيقاع الرتيب لساعاتي .
أمي .. السيدة التي تتربع على عرش قلبي ، تسللت إلى غرفتي حيث الشتاء قد أثقل وطأته تلك الليلة ، حاملة (الوجار) ، ثم جلست بجواري على الفراش :
ــ أتشعر بالبرد ..؟ سألتني و هي تعرف الإجابة ..
ــ أشعر بالملل .. زفرتها .. حارة كئيبة ..
ــ بلغت هذا العمر .. و لم تتزوج .. و لا تريد أن تشعر بالملل ؟!!!!
أيقظت فيّ هاجسا غافيــا ، حاولت أعيده إلى نومه :
الزواج ليس كل شيء ..
ــ لكنه سيعيد الألوان إلى حياتك ..
أجبتها بصوت يتخلله الألم :
لم يعد في حياتي ألوانا يا أمي ..


لم تكن تلك هي المرة الوحيدة التي حاولت بها أمي أن تطرق أبواب القلب المرتجة ..
شيئا خفيا يدفعني للرفض في كل مرة . كل مساء تأتي أمي و هي تحمل لي أسماءًا لتعرضها عليّ ، و أبدو كمن يفتش عن ضائع ما .. و حينما لا أجده .. أرد بضاعتها إليها .

ــ تبحث عنها أليس كذلك ؟..
رمت (القنبلة) في وجهي ، ثم سكتت .
لم أكن أنتظر سؤالا كهذا ، لا أدلّ الطريق إليه .. اكتفيت بالصمت ، و لاذت بالانسحاب .
نهش القلق كل مساحات عقلي تلك الليلة :
أحقا أنا أبحث عنها .. رغم كل البعد .. زمنا .. و تفكيرا ..؟
ثم صرخ بي الفجر دون أن تهتدي مراكبي .

عشتُ مشوشا ، تأتي إلي كل (عصر) لتشتري مني ، حضورها يعني لي شيئا ، لا أنتشي ، لا أحزن ، لا أفرح ، و لا أي شعور عادي آخر ، شعور مبهم .. يجعلني أرقب حضورها .. و حسب.
و يظل يقرعني سؤال : أتشعر بي ؟! .. و حينما يتسرب إلي صوتها بـ : (يا عمي) .. تنهار كل الأسئلة ، و أتقوقع كطير صغير مبلول ..
كنت أعنف نفسي : كيف تشرّع سفن شعورك نحوها .. و قد كانت ذات يوم طفلة بين يديك ، لم تفتح عينيها بعد ، ثم أذكر قبلتي على جبينها ، فينتحب داخلي ألما ..

*****
و مثل كل ليلة ، تأتي أمي إلى فراشي ، تتحدث معي قليلا ، ذكرتني بالذي لا أنساه :
ــ خالد .. أحفادي ..
ضحكت بقلب مذبوح ..
سألتني و هي تصوب السهم الأخير :
أما زلت تريدها ..؟
ظللت أحدق بخشبات السقف دون أن أتكلم ..
ــ رجل بعمرك .. بحاجة إلى زوجة .. لا إلى طفلة ..
التفتُ إليها ببطء :
لكنها لم تعد طفلة .. إني أعد أيامها يا أمي ..
صمتت طويلا ثم همت بالخروج ، كنت أرى الكلمات عند شفتيها .. دون أن تطلقها ..
ــ أمي ... ناديتها و هي توشك أن تغلق الباب ..
اصدقيني .. ما الذي كدت تقولينه ..؟
عادت إلي و في عينيها بحــر مائج ..
ــ خالد .. سامحني يا بنيّ ..
ــ ضيء .. ما بها ..؟! ..خرج السؤال خائفا مبحوحا ..
جرّت الكلمات بصعوبة ، كمن يدفع صخرة على أرض وعرة :
ــ خُطِبت .. و زواجها بات وشيكا ..
انقبض قلبي .. أحسست بزلزال يضرب أعماقي .. كل ما حولي غدا بلا ملامح .. كائنات هلامية تموج ..

أمنيتي .. أغنيتي .. ضحكتي .. و دمعتي .. تلاشت كما يتلاشى شهاب في السماء ..
و عاد صوتها : (عمي) يتأرجح داخلي ، فغاص الألم عميقا .. عميقا ..

******
ضرب المرض جسد أمي المثقل بالسنين ، فأسرها فراشها ، و بقيت معها ، حتى سكنت أنفاسها في ليلة حالكة تماما ..
عدت من الصلاة عليها ، و في قلبي ألف حزن .. و حزن ..

البيت موحش ، كمعبد بوذي تسكنه الأشباح ، دخلت غرفتي و استلقيت على الفراش أرتقب مجيء أمي ككل ليلة .
بدى الصباح ميتا ، لم أسمع صوت تحريك الأواني بالمطبخ ، و لم أشم رائحة (حمس) القهوة ،
في الفناء .. بقيت أنتظر أن تأتي أمي ، حتى أيقنت أنها رحلت للأفق .

و على أنقاض حزني ... نما حزن آخر و أينع ..
كنت قد أكملت الثلاثين (جرحا) ، و في الليل تسلل إلي صوت طبول من مكان قريب ، فضربت جذور الأسى في أعماق قلبي ، و تحول كل أمل .. لحلم ليلة صيف ..

أغلقت على نفسي حجرة أمي ، و بكيت طويلا ..
أحسست بحزن جامح .. ألم موجع :
متى يبكي الرجل ؟!!!
قمت ألملم بقاياي ، و خرجت متسربلا بالظلام ، و أنا أغلق الباب للمرة الأخيرة ، جُرِحت يدي جرحا ما زلت أنكأه كل ليلة .. كي لا أنسى ..

مررت بدار (ضيء) .. و تلوت تراتيل الوداع الأخيرة ..



كان ثمة جدران طين عتيقة ..







جنَّة الروح غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-04-2005, 04:47 AM   رقم المشاركة : [7]
جنَّة الروح
الصورة الرمزية جنَّة الروح
 

جنَّة الروح is an unknown quantity at this point




..
..



إلى اللقاء مع ج ـميلتنا .. [..هديل الحضيف..]

.. يوم السبت ..

وقتاً ممتعاً مع المخ ـتارات

شاركونا الإضافة إذا شئتم ..



التوقيع

جنَّة الروح غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-04-2005, 05:52 AM   رقم المشاركة : [8]
؛؛ ريح ـانه ؛؛
 
؛؛ ريح ـانه للروح ؛؛




من أج ـمل ما قرأت لـ هديل الحضيف .. في لها اون لاين منذ فتره

؛؛بغداد تتكئ على حـزنها؛؛



//
\\
؛

الليلة غيهب ..
دجلة ينزف ببذخ ..
يبث بغداد وجعه .. ثم يبكي على كتفها ..
ترفع رأسها .. ترقب الأفق .. موعودة بالحزن بغداد .. أينما ثُقِفت !! ..

العقرب الكبير .. يطعن الثانية عشرة .. بينما يغافل الصغير الواحدة ، لينال منها على حين غرّة !
و ذاكرتي تتسرب
تقطر .. قطرة .. قطرة ..
تملأ الفجوات التي تلبسها الجفاف منذ الأزل ..
فتحيل نتف الضوء إلى ثقوب سوداء .. تلتهم كل النجوم التي تبرعمت على غفلة من الزمن ..

ثلاثة عشر سنة ..
و حزني يعمق في قلبي جذوره .. و (يلد) على سطح حياتي غصنا جديداً .. ميتا !
ثلاثة عشر وجعا ..
و خارطة الجوى تتمدد .. في كل ليلة تبني لها مستعمرة جديدة ..
و تعلن عليّ احتلالاً من ألم مختلف ..
و غدداً دمعية لا ترقأ ..

في روحي ثقب ضخم .. يدعى العامرية .. تطلُ منه ذكرى أمي .. و تزاور عنه الشمس .. خجلا منه ..
كم من العمر أحتاجهُ ..كي يمسح النسيان صورة أمي .. و تستعيد بغداد أساطيرها ؟!!
كم من الدمع سأذرفهُ .. كي تُمحى الخطوط المرعبة التي تركتها جثة أمي في دفتر حياتي ؟!!
وجه غُمِس بالدم ..
عينان يقفز منهما الخوف ..
فم مشدوه .. و يد تائهة ..
و جنين لم يكتمل !! ..
أحد عشر (خريفا) .. كانت كل ما تحمله جعبة عمري ، حين (انصهرت) زارعة الورد ..
و من بعدها ..
تلاشى الورد ..
و تهاوت أحلامي ..
تاهت كل الدروب التي لقنتني .. فرحا ما .. أبجدية الطريق إليها ..
و لم يبق سوى درب محفوف بالشوك .. و الظلام ..

ذات قصيدة ..
أخبرتني أمي ..
أن دجلة أغنية لا تذبل ..
و أن بغداد لوحة لا يتسلل إليها النشاز ..
و نخيل البصرة لا يموت !!
و ذبلت الأغنية ..
و نشزت اللوحة ..
و مات نخيل البصرة !!
و بقيتُ وحدي .. تدخنني الوحدة ، تقتات على الشعلة الخافتة التي تحتضنها أضلاع صدري .. ثم ترميني عقبا مهترئا .. و تدوس عليّ .. و تمضي !!

* * *
أمرّ بميدان الثورة ، و بقايا الهياكل المركونة في أطراف الساحة .. بوجوه تنسكب منها الحياة .. فلا يبقى منها غيرحفر غائرة .. يصرخ منها الموت ، ما زالت تمارس انتظارا مريعا ..
ورقة آبقة من صحيفة ، تصفع وجهي ، وعنوان ( أسود) ضخم :
" فخامة الرئيس يوقع اتفاقية – النفط مقابل الغذاء – "
- الشعب لا يأكل نفطا يا سيدي !!
أغص بها في داخلي .. و خوف بحجم الحصار من أن تلتقطها أذن (أحدهم) !!
و أمتطي طريقا يفضي إلى حيث آوي لحزني وحيداً ..

* * *
الليلة حالكة السواد ..
و دجلة ما زال يبكي ..
و بغداد ما عادت تملك من أمرها شيئا ..
موعودة هي بالحرب ..
و أزيز الطائرات يملأ سماءها المنهكة ..
(تمطر) قصفا ..
و توقد (جرحا) ..
وثقب (العامرية) يتسع .. يتسع .. ليأوي كل الحزانى !!




  رد مع اقتباس
قديم 08-04-2005, 06:38 AM   رقم المشاركة : [9]
سكونْ أنثى
رَوْحٌ وَ رَيّحَ ــانْ ..!!
الصورة الرمزية سكونْ أنثى
 

سكونْ أنثى is an unknown quantity at this point

مِنْ مَجّمُوعَتِهَا القِصَصِيَّة

..//مطرٌ قاحِل\\..

.
.

خلف الأبواب الموصدة لبيوت الطين تموت حكايا.. وتذبل على وقع الصباح كلمات تسربت من شقوق الليل..
تشمخ نخلة لتناطح الشمس , وسماء تكاثفت فوق سقف قرية أمتطى الغبار أزقتها الخاوية..
ومن هشيم الأمس.. ينبت نهار ..
هنا وجوه تحترف الحزن.. تتقن رسم الملامح على شاكلة أرض عطشى بـ ألوان سنابل تموت..
تقتات على فتات أغنية لحادي قافلة اخترقت الأفق ذات رحيل.. ولن تعد !!
"لا شي يغري بالبقاء .. لا شيء"
انفرطت من فمه.. بينما البلح يتساقط (خمجا .. حامضا) على راسه!!


//\\//\\


منذ آخر مرة عانقت السماء أرضهم.. والليل يبتلع واحداً أو أثنين منهم..
لا أحد يعرف كيف يتلاشون, لكن ثمة من يقول بأن النجوم تلتقطهم .. ليقضوا بقية حياتهم بالمطر .. وآخر يجزم بأنه يسمع أصواتا في غيهب الليل, سرعان ما تختفي حين يخلع الليل ظلمته..
يركزون وتد أبصارهم في الشفق .. ويلوكهم الانتظار .. ثم يوارون أدمعهم بأطياف ابتسامات منهكة..
وتشتتهم الدروب ..
سنى .. وحلم
كل ما تبقى له من صدر أدمن قلبه ضخ الوجع.. كل ما تبقى له , بعدما شقق الموت أرضه, ونهبت الريح سنابله..
وغدت نخلته شاهد زمن لملم أيامه وهرول باتجاه هجرة ألدية, تاركا له ذكريات تستنزف ذاكرته..


//\\//\\


في فضاء استوت تضاريسه, أخذ الضجيج يتبدد ببكاء مبحوح.. (كسر) دواب مهزولة..
أطفال يتلمسون منابع الحياة في صدور أمهاتهم..
وحناجر يتحشرج بها الصوت:
- اللهم أغثنا..
والأكف ترتفع واهنة.. ترتعش..
- اللهم أغثنا..
ونزيف القحط يغمر المكان ..
- اللهم أغثنا..
تمر السحب عقيمة .. تغري بالقطر .. دون أن تهبه..
سنى يخبو..
وحلم يحتضر..


//\\//\\


يبعثر خطاه فتتوه به.. تنشله من جدران الطين الشاحبة لتودعه عمق الفراغ.
هناك..
تنتفي الأبعاد .. تنصهر المسافة..
"كانت يوما .. ماءً"
رميم عظام ينسحق تحت قدميه.. يختلط بالأرض ويختفي..
يمضي نحو نقطة تتهادى في البعد.. يبعثر خطواته في الأزل..
ثم يعود ليجمعها .. ناقصة من دمه.. نبضه!
أفق بكامله, محل بظلام, وفحيح.. يزحف نحوه..
يلتفت خلفه.. باحثا عن درب عودة يمتطيه.. كل الاتجاهات تحاصره.. توقد يبابا ونهاية..
يتهاوى..
الرمل ينهش وجهه, يخمش الجلد.. فتتساقط مزق لحم كست وجهه.. منذ جفاف سالف.
يقاوم الريح, وهي تغترف الشوك لتغلق به نوافذ الحياة تباعا.. يلوذ بـ (بشته). يحكم لف شماغه حول رأسه.. وكل الآفاق تتلاشى .. تعربد الريح..
تردد قهقهاتها الكثبان.. ثائرة..
السنا ينطفىء.. والحلم يموت..

شماغه المهترىء لم يعد له جدوى, مزقته الريح لتنتهك ما تبقى منه..


//\\//\\


ثمة من قال.. بأن النجوم التقطته.. ليقضي بقية حياته في المطر..!
آخرون يجزمون.. بأنهم سمعوا صوتا مبحوحا في خاصرة الليل سرعان ما اختفى حينما ارتدت السماء شمسها!!



.
.
كانت هُنا .. سكونْ أنثى ..
ومَضتْ .. في إنكسار الروح !!



سكونْ أنثى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-04-2005, 07:26 AM   رقم المشاركة : [10]
ميّادة زعزوع
[..ابتسامة تمارس البكاء..]( مؤسسة الجنة )
الصورة الرمزية ميّادة زعزوع
 

ميّادة زعزوع is an unknown quantity at this point

..
..

قارب الميذوز
/
\

صوت أخير :

هنا التاريخ يتكوّن من جديد ..
يرسم للبدايات .. نهاياتٍ غائمة ..
و يبعثر الأحلام في جيوب الزمن ..
الطرق لم تعد تفضي إلى روما ..
و هدير الجماهير هجر المدرّج الكبير ، تاركا له الصمت ، و ريحا تعوي في أروقته ..

في عمق هذا (الأطلسي) ، تستقر أوديسة محفوظة بالملح و الظلمة ، لا أحد غير هذا الماء .. و الشمس التي تشتعل على وجهه يذكر الحكاية ..
و أنا المدجج بتفاصيل لم تبرح أماكنها الأمامية في مقاعد الذاكرة ..

منذ ستون عاما ، و البواخر لا تعبر هذا الشاطئ ..
تطلّ بأشرعتها من الأفق البعيد ، ثم تغيب في ضباب كثيف ..
و منذ ستون سنة ، و أنا أنتظر الرجوع ..
و (جَنَوى) .. لا تعود ..
تحاصرني برائحة بحرها ، بمينائها القذر .. بصناديق تستقر على ظهور مراكبها و تغادر إلى أراض بعيدة .. و بلدان تصنع الموت ..

(كرستيان) يغني بصوته الأجش ، و ما حولي سوى مساحة زرقاء كالمستحيل ، تتكسر على أقدام الصخر ..
يصرخ بي القبطان لأن أربط الأمتعة و أحملها إلى السفن ، رغم غرقها ..
و نسوة كثيرات يلوّحن بمناديلهن ، و المسافرون ليسوا إلا نوارس تملأ الفضاء بالصخب ..

ما من أحد هنا سواي يا (مانويلا) .. في الأرض الموعودة .. أرض الأحلام .. أنتِ التي أوصلتِني ، ثم تركتيني نهبا للشوارع الخلفية الحقيرة ، و للغربة ..

كل الذين تبقوا ، تلقفتهم الحياة .. مبقية لي فتاتهم لأقتات عليه ..
بالأمس ذهبتُ إلى (فيلبو) ، صديقنا الذي أعطيتِه كسرة الخبز خاصتك ، رغم الجوع و الموت الذيْن كانا يتربصان بكِ .. - بالمناسبة ، أصبح اسمه (فيلب) بعد أن امتلك نصيبا كبيرا من أسهم شركة لتأجير اليخوت - كان لطيفا معي ، لكن يبدو أني ساهمت في تعطل بعض مصالحه ، فآثرتُ أن أخرج أثناء مخابرة كان يجريها بواسطة هاتفه الذي لم يهدأ ..

سمعتُ أيضا أن (ماسيمو غوستيني) قد قام ببطولة فيلم جديد ، و دور السينما ما فتئت تعرض فيلمه السابق باستمرار ؛ مازال يحتفظ بوسامته .. و يكتبون كثيرا عن قفشاته ، رغم ذلك تبدو لي باهتة ليست كالتي كان يقولها و نحن في بحر الظلمات ..

لا أذكر أسماء الثلاثة الباقين .. و ما أظنكِ تأبهين ..


* * *



صوت محايد :

أخذ الليل يقتحم الأكواخ بالبرد القارس .. و المواقد لم تعد تبث الدفء ..
ظل شاحب وحيد ، يعبر الطريق ، و يتلمس الجدران المنهكة ..
ثم يختفي وراء زاوية بعيدة ..

- مانويلا ؟! عدتِ مبكرا ..
- تسللتُ من الباب الخلفي على حين غفلة من الحارس .. كيف هي الأخبار القادمة من روما ؟
- " أيها الشعب الإيطالي العظيم .. إن تاريخ إيطاليا يتوقف عليكم الآن .. أنتم الذين ستعيدون مجد روما " ..
قالها ساخرا ، و مقلدا صوت المذيع الذي سمعه من مذياع معلق في حانة الميناء .. و أردف :
- فليذهب مجد روما ، و ليبق مجد اليوفي !
- تجنيد إجباري ؟!!
- سيجندون الذين يعنيهم مجد روما ..!
- و أنت ؟
- أنا أشجع اليوفنتوس !


المدينة الغافية على حافة البحر ، استيقظت فجأة ؛ لتمتلئ مصانعها بعاملات صغيرات مكرّسات للموت ؛ و تتكدس السفن بالأسلحة ، بأوهام النصر ، بأحلام الصغار ، و صلوات الأمهات ، بمجرمين فاضت السجون بهم ، فألفوا أنفسهم جنودا يحمون الوطن .. ثم تمخر الماء باتجاه ثقب أسود يستوطن الأفق ..

غدا الميناء محطة لمسافرين يغادرونه ثم لا يعودون أبدا !

وحده (فرانشيسكو) الذي لم يقف بعد في الميناء ليودع أحدا ، أو لتحمله أحد المراكب إلى أرض مجهولة .. و أعداء لم يقررهم هو ..

- هيه مانويلا ..! قلتِ بأنكِ لم تجدي فحما إذن؟ ربما أخذوه إلى برلين .. سيحتاجه هتلر ليعيد لهم أمجاد روما .. أما شعب روما فيمكنهم أن يفركوا أيديهم قليلا ، و يناموا بمعاطفهم .. و أن يغلقوا نوافذهم جيدا .. ليحصلوا على الدفء .. و على أحلام لا تكلفهم كثيرا من التحسر ! .. نامي مانويلا .. نامي يا ابنتي ، سنقضي ليلة أخرى في بطن الوحش . نسيت ! .. دانيال أخبرني عن شاب يعمل في الميناء ، قدِم من نابولي الشهر الماضي .. يدّعي أنه أفضل من يطبخ المكرونة ! أخيرا سأتذوق الاسبغاتي ..!


* * *



الشمس الواهنة ، غمرت الطرق بغبش من نور خفيف .. و الضباب ما غادر المرافئ بعد ..
لم ينم الميناء منذ أن رست الباخرة الضخمة بـ حذاء الجرف ..
أوامر القباطنة ، القصيرة و الحادة ، استنفرت جميع الموجودين ، عدا عاملا انتبذ مكانا قصيا ، متسليا بتقليم عصا خشبية بنصل صغير ..
- انطونيو !
سقط النصل من يده ، على أثر الصوت الأجش الذي ناداه ..
- أوه ! .. كرستيان ! .. كنتُ أنتظر من يساعدني في حمل الصندوق ، يبدو أن السماء أرسلتك !
شيء من دفء ، سربته الخيوط الواهية التي أفلتت من قبضة السحاب المركوم ، فارتفع صوت كرستيان مغنيا ..
- هيه كرستيان ! .. صوتك سيتسبب في فصلنا !!
- لِم لا يتسبب في ترقيتك ؟!
- لأن القيادة ستظن أنها مروحية للحلفاء .. !

ثلاث سنوات ، و ثمة حلم تنهش من أطرافه ، الحرب ..
في كل يوم ، يذوي أمل في قلب ما .. بينما يشي الأفق بسواد حالك ..
وهج يخفت .. و طيورا تغادر باتجاه اللاعودة ..

في المساء ..امتصت الدروب العمال المنهوكين بالسهر و الأمنيات المبتورة ، بعد أن توارت الباخرة في الحجاب ؛ فخوى الميناء إلا قليلا ..


* * *



صوت محفوف بالتيه :

الساعة التي احتوت رحيله ، كانت تحمل العدد صفرا ..
أيامي التي قبلها .. تُحسب بالموجب ، و ما بعد سفره .. تحمل الإشارة السالبة ..
كل الذين رحل بعدهم ، لم يجدهم ساعي البريد ليحمل إليهم أمنيات الأبناء ، و أشواق الزوجات .. لذا أعلنتُ الحداد عليه مذ تلاشت النفثة الأخيرة لمدخنة القطار ..
فجأة وجدتُ نفسي في التيه .. على شفا ضياع .. و بلا أبي !
كل الشوارع حملت ذات العلامات ، و كل الوجوه لبست نفس الملامح ..

بعد استدعائه للتجنيد ، باع كل شيء يخصه ، و سلمني الثمن ..
- ستساعدك .. يا مانويلا ..
ما عدا قميص اليوفنتوس ..
- ثمة أشياء تستحق البقاء يا أبي .. اتركه لي ..

في محطة القطار ، كان يضحك بصوت عال ، ليكتم بكاءً تفجر داخله ..
- هيه مانويلا .. في الوقت متسع للضحك .. و الحياة ما زالت تكفي للغناء .. و الرقص أيضا ! .. أخبري انطونيو أن يجهز الاسبغاتي لي ، لأني سأعود قريبا ..

بعد الصافرة الثالثة للقطار ، ماجت في عينيّ الصور.. لم أعد أرى إلا أطياف هلامية .. و ما عدت أسمع إلا أصوات عويل .. و نشيج بعيد ..

لا أذكر كم من العمر مضى ، لكن يبدو أن زمنا طويلا اجتازني قبل أن ينبهني عامل صغير إلى أن وقت إغلاق المحطة قد أزِف ..
برد ديسمبر ، و كتلة السديم الهائلة الذيْن اعترضا خروجي من المحطة ، أخطراني بأن عليّ أن أبحث عن أفق جديد أعتمده مشرقا لشمسي المُنهكة ..


* * *



احتفظت بالرسائل التي شرعت بكتابتها لأبي كل فجر ، في كيس قماشيّ ، لم أكن أعلم كم عددها ، كنتُ أتحاشى الزمن و التاريخ .. و أنام دون أن أنتظر الغد المفرغ من الآمال ..
- مائتين و ثلاثون رسالة ؟!! من سيحملها إلى فرانشيسكو يا مانويلا ؟!!
- لا أحد ..
- إذن لِم تحتفظين بها ؟
- قد يعود يوما .. فيجدها ..
كنتُ موقنة أنه لن يعود ، رغم أن انطونيو يحاول منحي قليلا من شمس في ظلمتي المستعرة ، برواية قصص عن سفن رست بالميناء مؤخرا ، محمّلة بآلاف الجنود الذين عادوا ، كنت أعلم أنه يختلقها .. و أن ما من سفن في الميناء ، سوى تلك المغادِرَة .. أما السفن القادمة ، فلم تكن تأتي أبدا ..

- مانويلا .. سيأتي .. أنا متأكد من ذلك .. ستنتهي الحرب قريبا ، هكذا سمعتُ اليوم .. فرانشيسكو يحب الحياة ، و يحبك .. و حتى لو لم يكن يحبك .. فهو لن يموت .. لأن اليوفي يتصدر فرق الدوري .. صلّي من أجل بقائه .. و لا تبكي .. أرجوكِ لا تفعلي ذلك ..! و بمناسبة ربحي خمس سنتات إضافية اليوم ، سأشتري لحما ، لأطبخ (لازانيا) .. سنعيش إحساس المترفين اليوم ..!

ابتسمتُ دون أن أدرك تماما ما الذي يقوله .


* * *


يتبع





ميّادة زعزوع غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:40 PM.

..[ جميع الآراء والأفكار المطروحة تعبّر عن كاتبها , ونحن كـ إدارة نخلي مسؤوليتنا ]..

Powered by vBulletin® Version 3.6.7